مجموع كتب ورسائل الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

[المحكم والمتشابه]

صفحة 84 - الجزء 1

  وأخبار وقصص، وظاهر وباطن، وكل ما ذكرنا يُصدِّق بعضه بعضاً؛ فأوله كآخره، وظاهره كباطنه، ليس فيه تناقض، وذلك أنه كتاب عزيز، جاء من رب عزيز، على يدي رسول كريم، وتصديق ذلك في كتاب الله حيث يقول: {وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ ٤١ لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ٤٢}⁣[فصلت]، ويقول: {بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ ٢١ فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ ٢٢}⁣[البروج]، ويقول: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ٨٢}⁣[النساء].

  فإذا فهم الرجل ذلك أخذ بمحكم القرآن، وأقر بمتشابهه أنه من الله، كما قال الله سبحانه: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ}⁣[آل عمران: ٧]، ثم بين ø لأي معنى تركوا المحكم وأخذوا بالمتشابه، قال: لابتغاء الفتنة والهلكة، فلذلك جعل المحكم إماماً للمتشابه، كما جعله حيث يقول: {هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ}.

  فالمحكم كما قال الله: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ٤}⁣[الإخلاص]، و {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}⁣[الشورى: ١١]، و {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ}⁣[الأنعام: ١٠٣]، ونحو ذلك.

  والمتشابه مثل قوله: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ ٢٢ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ٢٣}⁣[القيامة]، معناها⁣(⁣١) بين عند أهل العلم، وذلك أن تفسيره عندهم: أن الوجوه يومئذ تكون نضرة مشرقة ناعمة، إلى ثواب ربها منتظرة، كما تقول: «لا أنظر إلا إلى الله وإلى محمد» ومحمد غائب، {وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}⁣[آل عمران: ٧٧]، معناه: لا يبشرهم برحمته ولا ينيلهم ما أنال أهل الجنة من الثواب، فعندما لا ينظر الله


(١) في (ب): معناه.