مجموع كتب ورسائل الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

[تفسير الكتاب]

صفحة 90 - الجزء 1

  وقال: {وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ ٥٢}⁣[القمر]، يقول: في علم الله.

  وقال: {هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ}⁣[الجاثية: ٢٩]، يعني: علمه ø.

  وقال: {لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ}⁣[آل عمران: ١٥٤]، يقول: علم، فالكتاب هاهنا كتاب علم؛ لأن الله تبارك وتعالى قد علم أنهم سيختارون البراز إلى مضاجعهم، فإذا برزوا اختياراً من أنفسهم للبراز قَتلوا وقُتلوا، فالبراز فعل من البارز، والقتل فعل من القاتل المعتدي، وليس العلم الذي جبرهما على البراز والقتل، والبراز والقتل فعل من البارز والقاتل، وعلم الله محيط بهما كما قال ø: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ ١٩}⁣[محمد]، التقلب من الخلق، وعلم الخالق محيط بهم، ولا يقدر أحد أن يخرج من علم الله، وليس علم الله الذي يدخلهم في الطاعة ويخرجهم من المعصية [ولا علمه الذي يدخلهم ويخرجهم من الطاعة⁣(⁣١)]، ولكن قوماً اختاروا الطاعة على المعصية فاستوجبوا من الله الرضا والرضوان؛ لأنهم سعوا في إرادة الله ومشيئته، واختار قوم المعصية على الطاعة فاستوجبوا من الله السخط والعقوبة؛ لأنهم سعوا في سخط الله وكرهوا رضوانه، {ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ ٢٨}⁣[محمد]، واتبعوا أهواءهم وأرضوا الشيطان بفعلهم، فصاروا في حزبه: {أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ ١٩}⁣[المجادلة]؛ لأن الله لا يُقَدِّر أبداً ما يكره، ولا يقدِّر إلا ما يرضى، وليست مشيئته تقع إلا على رضاه، ولا يكره إلا ما يسخطه فاعلم ذلك.

  {فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ ١٠٥}⁣[هود]، كما قال ø: {يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ}⁣[هود: ١٠٥]، فمنهم شقي في ذلك اليوم بعمله القبيح الذي قدمه في دار دنياه، ومنهم سعيد بعمله الصالح الذي قدمه في هذه الدنيا؛ ولذلك قال


(١) زيادة من (ب).