مجموع كتب ورسائل الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

[إرادة الله لأخباره]

صفحة 125 - الجزء 1

  ولكان هو المشرك بنفسه لا هم، ولكان العابد لأصنامهم دونهم، لو كان على ما يقولون؛ إذ هو الصانع لكل ما صنعوا، والممضي دونهم لكل ما أمضوا، ولكانوا هم من كل مذموم أبرياء، وفي حكم الحق مطيعين أتقياء، وعند الله للثواب مستأهلين سعداء؛ إذ هم فيما صرفهم ربهم متصرفون، وفي قضائه ومشيته ماضون، فتعالى الله الرحمن الرحيم عما يقول فيه حزب الشيطان الرجيم.

[إرادة الله لأخباره]

  فإن قال قائل: قد فهمنا ما احتججتم به في الفرق بين إرادة الله في فعله وإرادة الله فيما سوى ذلك من فعل غيره، فما عندكم فيما قصه الله وذكره وأخبر به من أخبار الآخرة، وقيام الساعة، فهل أراد تبارك وتعالى أن تقوم القيامة، ويكون الثواب، ويقع بأهله العقاب؟ فقد نجده قد أخبرنا بذلك كله، فهل أراده كما أراد الإخبارَ به؟

  فقولنا إن شاء الله لمن سأل عن ذلك: إن الله تبارك وتعالى أراد أن يخبر بما أخبر به، ويذكر ما ذكر، فكان ما أراد، وكانت إرادته في ذلك هي المراد، من الإخبار نفسه، فأما أن يكون أراد أن تقوم القيامة ويقع الجزاء عندما أخبر به من خبرهما فلم⁣(⁣١) يرد ذلك، ولو كان مراده فيه كذلك لكان أول الخلق قد واقع وعاين القيامة والجزاء، وكان قد انقطع النسل والنماء، وحل بالأولين دون الآخرين ما يتقى، ولكنه سبحانه أخبر عما سيكون من فعله، وهو سبحانه بغير شك يريد أن يقيمها في وقت ما شاء، والوقت فهو في علمه معلوم مسمى، فإذا أراد إقامتها قامت، وإذا شاء أن يجليها تجلت، ولم يشأ سبحانه أن يجليها إلا في وقتها الذي إليه أجَّلَها، كما قال سبحانه: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ


(١) في (هـ): فلا، لم.