باب تفسير العلم في الله والرد على من قال إن لله علما سواه به يعلم الأشياء
  يكن بعالم ولا خبير بعواقب أفعاله، ومتصرفات نوافذ أعماله، فهو ينوي ويضمر، ويدبر ما يورد ويصدر؛ لقلة فهمه بالعواقب، ولحاجته إلى المعين والأعوان، [وإلى(١)] الآلات في كل حال وأوان، إذا أراد أن يصدر فيه من شأنه شأناً.
  فالحمد لله الذي بان عن مشابهة العجزة المربوبين، وتقدس عن مماثلة المتحرفين المتصرفين، والعاقبة للمتقين، وصلى الله على محمد خاتم النبيين وإمام المرسلين، وعلى أهل بيته الطيبين.
باب تفسير العلم في الله والرد على من قال إن لله علماً سواه به يعلم الأشياء
  إن سأل سائل فقال: ما تقولون في الله ذي الجلال ألَهُ علم؟
  قيل له: إن معنى قولك: «لله علم» يخرج على ثلاثة معان معروفة بينه وكلها في اللسان فواضحة منيرة:
  منهن: أن تكون تريد أن له علماً أنزله على المرسلين، وعلمه إياهم ومن تبعهم من المؤمنين، مثل: التوراة والإنجيل والزبور والفرقان الجليل، فنحن بذلك في الله نقول.
  والثاني: أن تكون تريد أنه العالم بالأشياء، الذي لا يخفى عليه سر ولا نجوى، وأنه يعلم ما لم يكن مما سيكون، كما يعلم ما قد كان من الفعل وبان، فكذلك قولنا في الله ذي السلطان.
  والثالث: أن تكون تقصد وفيما ذكرت من قولك تعمد أن لله علماً سواه، به يعلم في الحالات ما يكون من المعلومات، وهذا في الله سبحانه فأحول المحال، وأبطل ما يقال به من المقال؛ لأنه لو كان كما تقول وتُعبِّر، أو كان على شيء مما تذكر وتسطِّر، لم يخل من أحد معنيين، وكلاهما عن الله سبحانه زائلان:
  إما أن يكون هذا العلم الذي شرحت وقلت وادعيت وذكرت علماً أزلياً قديماً مع الله أولياً، فتثبت حينئذ الأزلية لشيئين، ويصح القدم لقديمين اثنين،
(١) ساقط من (أ، ب، د، هـ).