مجموع كتب ورسائل الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

باب تفسير القدرة والرد على من زعم أن لله قدرة سواه بها قدر على الأشياء

صفحة 156 - الجزء 1

  سبحانه من ذلك، من غير أن يكون أدخلهم فيه، ولا جبلهم عليه، تبارك وتعالى، بل هو منهم اكتساب، وقلة إنصاف منهم للألباب، ومكابرة للحق، ومعاندة للصدق، واقتداء من الأبناء بمن مضى من جهلة الآباء، فتبارك الله العالم بنفسه، العادل في كل فعله، الذي لم يزل عالماً خابراً، ولم يكن في وقت من الأوقات بشيء جاهلاً.

باب تفسير القدرة والرد على من زعم أن لله قدرة سواه بها قدر⁣(⁣١) على الأشياء

  وكذلك قولنا لمن سأل عن قدرة ربنا فقال: هل لله قدرة فيما تقولون وإليه تذهبون مما تتقلدون؟

  قيل له: إن معنى قولك هذا يحتمل ثلاثة معان مختلفات، متفرقات غير مجتمعات في شيء من الجهات:

  فمنهن: أن تكون تريد بسؤالك عن قدرة الرحمن، على ما خلق وذرأ ذو المن والسلطان، من عجائب ما خلق من المخلوقات، ومدبرات ما دبر وافتطر من المفطورات، من الأرضين والسموات، وما سوى ذلك من المجعولات، اللواتي يشهدن لمدبرهن بالحول والقوة، وينطقن له في كل أوان بالقدرة، فكذلك نقول وإليه بلا شك نؤول.

  أو أن يكون رأيك ومقصدك ومذهبك في ذلك ومعتمدك، ما خلق سبحانه وأعطى وبث في الخلق وذرأ من القدرة التي أعطاها جميع الخلق، من الاستطاعة التي بث في جميع أهل الباطل والحق؛ ليعبدوه بها ويطيعوه، ويستعملوها في طاعته ويرضوه، ثم هداهم النجدين، ومكنهم في ذلك من العملين، ولم يحل بينهم وبين أفعالهم، ليجازيهم على جميع أعمالهم، ثم أمرهم بالطاعة، ونهاهم عن المعصية، ثم قال: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ ٨٩ وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ٩٠}⁣[النمل]،


(١) في (ب، هـ): يقدر.