باب تفسير قول الله سبحانه: {والله بصير بالعباد} والرد على من قال من أهل الإلحاد إنه يبصر بعين كأعين العباد
  الأحياء، وباعث الموتى، وجامع الخلق ليوم لا ريب فيه، المتكفل بالكفاية لمن توكل عليه، المتولي الموفق الهادي لمن انقطع إليه، كذلك الله أكرم الأكرمين، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
باب تفسير قول الله سبحانه: {وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} والرد على من قال من أهل الإلحاد إنه يبصر بعين كأعين العباد
  إن سأل سائل مسترشد عن ذلك أو تعنت متعنت ضال هالك - قيل له: إن معنى (بصير) يخرج على معنيين بينين عند أهل العلم نيرين؛ فأما أحدهما: فهو العالم بالأشياء طراً، من ذلك قول العرب: فلان بصير بالفقه والنحو والحساب، بصير بالشعر والكلام في كل الأسباب، يريد أنه به عالم، وبه في كل حال قائم، فعلى ذلك يخرج قول الرحمن ذي الأياد، حين يقول: {وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ ١٥}[آل عمران]، يريد: عالم بهم، محيط بكل أمرهم، مطلع على خفي سرهم.
  والمعنى الآخر فهو: البصر والنظر بالعين، والله عن ذلك بري، وعنه متعالٍ علي؛ إذ ذلك ومن كان كذلك مشابه للمخلوقين، وقد نفى ذلك عن نفسه رب العالمين حين يقول: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ١١}[الشورى]، ولو كان كما يقول من كفر بكتابه وجحد بآياته لكان مشبهاً لكل ما نراه ونجده، ونحيط به ونعلمه من المبصرين بالأعين من المربوبين، ولو كان ذلك كما يقولون لبطل قوله: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}، ولو بطل من الكتاب شيء يسير لبطل منه الجليل الكبير، ولو بطل بعضه لأشبه الباطل كله، بل هو يؤكد بعضه بعضاً، فلن يبطل منه حرف أبداً، وكيف يبطل أو يتناقض ما أحكمه ذو الجلال والسلطان، وحفظه من كل سوء الرحمن؟! ألا تسمع كيف يقول: {وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ ٤١ لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ٤٢}[فصلت]، ويقول ﷻ عن أن يحويه قول أو يناله: {بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ ٢١ فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ ٢٢}[البروج]، فكيف يتناقض أو يبطل ما حفظه الواحد الكريم،