مجموع كتب ورسائل الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

باب في خلق القرآن

صفحة 180 - الجزء 1

  الْأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ ٨٤}⁣[الزخرف]، فنفى عن نفسه أن يكون في مكان دون مكان؛ لأن من كان في مكان دون مكان فمحدود، والله غير محدود، ولا يحيط به شيء، وهو بكل شيء محيط.

  وقال: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ ...} الآية [المجادلة: ٧].

  فبهذه الآيات ونحوها احتججنا على من خالفنا ومن شبَّه الخالق بالمخلوق، وعلمنا أن الله لا يشبهه شيء في وجه من الوجوه.

باب في خلق القرآن

  وذكر الله القرآن فقال: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ٩}⁣[الحجر]، فأخبر أنه منزل محفوظ، كما قال: {وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ}⁣[الحديد: ٢٥]، وكقوله: {وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ}⁣[الزمر: ٦]، وقال: {وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا}⁣[ق: ٩]، ولم يقل: خلقنا الحديد والماء والأنعام، وكلُّ ذلك مخلوق.

  وقوله: {خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ}⁣[الرعد: ١٦]، وقوله: {خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا}⁣[السجدة: ٤]، وكذلك القرآن؛ لأنه شيء وهو بين السموات والأرض، وليس القرآن من أعمال العباد التي أضافها الله إليهم في كتابه، ولا من صنعهم الذي نسبه الله إليهم، فالقرآن داخل في هذه الآيات دون عمل العباد كالأنعام⁣(⁣١) والحديد.

  وقال: {وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا}⁣[الشورى: ٥٢]، وقال: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ}⁣[الأنعام: ١]، فأخبر أنه نور والنور مخلوق.


(١) في (أ، هـ، د): كما الأنعام.