مجموع كتب ورسائل الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

[الجواب]

صفحة 331 - الجزء 1

  وأنهم⁣(⁣١) يكون بينهم⁣(⁣٢) لله عباد مخلصون، وأنه يحتنكهم إلا قليلاً منهم؟

  فإن قالوا: إن الله علمه ذلك فقد نقض ذلك قولهم. وإن قالوا: إن إبليس علمه من قبل نفسه، فقد زعموا أن إبليس يعلم الغيب، فسبحان الله العظيم.

[الجواب]

  وأما ما سأل عنه وقاله مِن أمْرِ إبليس فقال: من أخطر المعصية على باله؟ ومن أوقع التكبر والمكر والخديعة في نفسه؟

  فإنا نقول في ذلك: إن الله أعطى إبليس من الفهم واللب ما يقدر به على التمييز بين الأمور، ويعرف به الخيرات من الشرور، ويقف به على الصالح من ذلك والطالح، وإنما أعطاه الله ذلك وجعله وكل الخلق المتعبدين كذلك؛ لأن يعرفوا قوله⁣(⁣٣)، ويعرفوا⁣(⁣٤) ما افترض الله عليهم وعليه، فيتبع ذلك دون غيره ويثابر عليه، ويعرف ما يسخط الله فيتجنبه ويتقيه، ويحاذر انتقامه فيه، ولو لم يعطه وغيره ذلك لم يهتدوا أبداً إلى فعل خير ولا شر، ولا تخير طاعة ولا إيثار هوى ولا اتباع تقوى، ولو كان الخلق كذلك لكان معنى الثواب ساقطاً عنهم، ولما جرى أبداً عقاب عليهم، ولو لم يجر عقاب ولم يُنَل ثواب لم يُحتَج إلى جنة ولا نار، ولما وقع تمييز بين فجار ولا أبرار، وقد ميز الله ذلك فقال: {لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ ٢٠}⁣[الحشر]، ولو كان ذلك كذلك لكان معنى الملك والتمليك عند الله سبحانه ساقطاً هنالك، ولكنه سبحانه لما خلق الخلق لم يكن للخلق بد من عمل، ولم يكن العمل كله لله رضاً، ولا كله سخطاً طراً معاً، ولما كان من الأعمال مُرْضٍ لله ومسخط لم يكن


(١) في (هـ): وأنه.

(٢) في (ب، ج، هـ): منهم.

(٣) (قوله) ساقط من (ب).

(٤) في (هـ): يعرف.