مجموع كتب ورسائل الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

[المسألة التاسعة والعشرون: معنى قوله تعالى: {ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون}]

صفحة 454 - الجزء 1

  يعاقبهم على الجزع والجبن والانهزام وتولية الأدبار عند لقاء الفسقة الأشرار، وذلك قوله: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ ١٥ وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ١٦}⁣[الأنفال]، فكيف يوجب الغضب عليهم ويجعل النار مأواهم على فعل ما عليه خلقهم وسواهم؟! تعالى الله عن ذلك وتقدس أن يكون كذلك، بل ذلك فعل منهم، ولذلك رجع وباله عليهم، فمن كان لله مريداً صبر عند المحنة، ومن كان عنه بعيداً هلع وعند النوازل جزع، وإنما يكون ذلك على قدر اليقين والتسليم لله من المؤمنين.

  ومن ذلك يوم حنين حين انهزم المسلمون وجزعوا، وثبت مع رسول الله ÷ الذين ثبتوا، ثم ناداهم الرسول فرجعوا، أفيقول الحسن بن محمد: إن الله سبحانه خلقهم جزعاً، فانهزموا لما خلقهم عليه من الجزع، ثم ناداهم الرسول فاستحيوا منه، فكَرُّوا، وعن خلق الله الذي خلقهم عليه غيّروا، فتركوا ما ركب الله فيهم من الجزع والجبن؟ أم يقول: إن الله ø خلقهم في أول الأمر جزعاً هلعاً، ثم نقل خلقهم آخراً، فجعلهم صُبُراً؟! لقد ضل إذاً ضلالاً بعيداً، وخسر خسراناً مبيناً، بل ذلك منهم كله أوله وآخره، ولذلك أثيبوا على الرجوع، ولو لم يرجعوا لعوقبوا على الذهاب والشسوع.

  فليفرق من عقل بين ما أخبر الله سبحانه عنه، وبين ما فعله وجعله، فبينهما ولله الحمد فرق عند ذوي العقول عظيم، وأمر واضح في اللسان بيِّن جسيم.

  تم جواب مسألته.

[المسألة التاسعة والعشرون: معنى قوله تعالى: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ}]

  ثم أتبع ذلك المسألة عن قول الله سبحانه حين يقول للمؤمنين: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ ٢١ إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ