[المسألة الثلاثون: معنى قوله تعالى: {صم بكم عمي فهم لا يرجعون}]
  بتركيب ما ذمه منهم فيهم، ولو كان الله سبحانه فعله فيهم لما نهى المؤمنين عن ذلك؛ إذ هو فعله لا فعلهم، فكيف ينهاهم عن أن يفعلوا فعله، ولو جاز أن ينهاهم عن فعل ما فعله فيهم لكانوا مقتدرين على أن يفعلوا [بفعله، ولو كانوا مقتدرين على أن يفعلوا](١) كفعله، إذاً لخلقوا كخلقه، ولو خلقوا كخلقه لامتنعوا بلا شك مما يكرهون من أفعاله، من موتهم وابتلائه إياهم بما يبتليهم به، ولتزيدوا فيما آتاهم مما يحبونه، فتعالى من هو على خلاف ذلك، والمتقدس عن أن يكون كذلك.
  وأما ما سأل عنه من قول الله سبحانه: {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ ٢٢}[فقال: هل كان هؤلاء يقدرون على أن يقبلوا الهدى، أو أن يسمعوا ما يدلون عليه منه؟ فصدق الله سبحانه: {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ ٢٢} ](٢) يقول: الذين لا يهتدوا إن هُدُوا، ولا يقبلون الحق إن دعوا، ولا ينتهون إذا نهوا، فضرب الله لهم ذلك مثلاً؛ إذ كانوا في الضلال على هذه الحال، وهم في ذلك لقبول الحق مطيقون(٣)، وعلى اتباع الصدق مقتدرون، فلما أن تركوا ذلك شبههم بالصم البكم الذين لا يعقلون إذ تركوا فعل ما كانوا يطيقون.
  تم جواب مسألته.
[المسألة الثلاثون: معنى قوله تعالى: {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ}]
  ثم أتبع ذلك المسألة عما ضرب الله ø للمنافقين من المثل في قوله: {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ ١٧ صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ ١٨}[البقرة]،
(١) زيادة من (هـ).
(٢) سقط من (ب، ج): ولعلها سهواً.
(٣) في (ط): مطيعون.