[المسألة الثالثة والثلاثون: معنى قوله تعالى: {ألم تر أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين تؤزهم أزا}]
  وأما المعنى الآخر: فبين في لسان العرب موجود معروف عند كلها محدود، وهو أن يكون معنى قوله: {أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا} أي: تركناه من ذكرنا، والذكر فهو: التذكرة من الله، والتنبيه والتسديد، والتعريف والهداية إلى الخير والتوفيق، فيقول سبحانه: تركنا قلبه من تذكيرنا وعوننا وهدايتنا بما أصر عليه من الإشراك بنا، والاجتراء علينا. تقول العرب: يا فلان أغفلت فلاناً ويقول القائل: لا تغفلني أي: تتركني. وتقول العرب: قم مني أي: [تريد](١) قم عني، فتخلف بعض حروف الصفات ببعض، وتقيم بعضها مقام بعض. قال الشاعر:
  شربن بماء البحر ثم ترفعت ... لدى لجج خضر لهن نئيج
  فقال: لدى لجج، وإنما يريد: على لجج، فذكر السحاب وشربها من البحار واستقلالها بما فيها من الأمطار. وقال آخر:
  أَغْفَلْتَ تغلبَ من معروفك الكاسي ... فخلتُ قلبك منهم مغضباً قاسي
  فقال: أغفلت تغلب من معروفك أي: تركتها من عطائك ونوالك ومنتك وأوصالك، ثم قال: فخلت قلبك منهم مغضباً قاسي، فقال: منهم، وإنما يريد عليهم مغضباً، فأقام حرف الصفة وهو (من) مقام أختها، وهي (على)، فأقام (منهم) مقام (عليهم) فهذا معنى الآية إن شاء الله ومخرجها، لا ما توهم الجهال على ذي المعالي والجلال من الجبر لعباده والإضلال والظلم والتجبر بالإغفال.
  تم جواب مسألته.
[المسألة الثالثة والثلاثون: معنى قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا}]
  ثم أتبع ذلك المسألة عن قول الله في الأزّ، فقال: خبرونا عن قول الله سبحانه: {أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا ٨٣}[مريم]، فيقال لهم:
(١) (تريد) زيادة من (ب، ج، هـ).