مجموع كتب ورسائل الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

[المسألة الخامسة والثلاثون: معنى قوله تعالى: {وكذلك حقت كلمة ربك على الذين كفروا أنهم أصحاب النار} وغيرها]

صفحة 465 - الجزء 1

  المؤمنون أولى بذلك، ولو أخرج عباده ومنعهم من معاصيه قسراً لأدخلهم في طاعته جبراً، ولو فعل ذلك بهم لسقط معنى الأمر والنهي، ولكان العامل دونهم، الفاعل لأفعالهم، تعالى الله عن ذلك، لم يُطَع سبحانه مكرهاً ولم يُعصَ مغلوباً، بل نقول في ذلك بالحق إن شاء الله فنقول:

  إن الله لما أن علم أنه إذا ألقى على موسى صلى الله عليه من المحبة التي ذكر أنه ألقاها عليه في قوله: {وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي}⁣[طه: ٣٩]، فلما ألقى عليه المحبة أحبته؛ لذلك امرأة فرعون، فسألت فرعون تركه عندما همّ به من قتله حين تبين له ما كان من فعله به في صغره، فتركه لها، وصفح عنه لحب⁣(⁣١) محبتها واتباع سارها⁣(⁣٢)؛ فكان ذلك نجاة لموسى مما هم به فيه فرعون الكافر الملعون، فلما أن علم الله سبحانه أن ذلك سيكون من اختيار فرعون، وأنه سيختار إجابة امرأته إلى ما طلبت من ترك قتل نبي⁣(⁣٣) الله، حكم عليه بما علم من صيور أمره، فكان ما ألقى عليه من المحبة منه سبحانه سبباً لنجاته، فنجاه الله من فرعون ورجعه إلى أمه كي تقر عينها ولا تحزن.

  فأخبر الله في ذلك ووعدها ما وعدها؛ لعلمه بما سيكون من امرأة فرعون وطلبها في موسى، وإجابة فرعون لها كما أخبر عما يكون يوم الدين، فهذا معنى ما ذكر من ذلك إن شاء الله، لا ما قاله الفاسقون، وذهب إليه الضالون.

  تم جواب مسألته.

[المسألة الخامسة والثلاثون: معنى قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ} وغيرها]

  ثم أتبع ذلك المسألة عن قول الله سبحانه: {وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ ٦}⁣[غافر]، وقوله: {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ


(١) في (ط): بحب.

(٢) في (ط): شأوها.

(٣) في (ب، ج، هـ، و): نجي.