مجموع كتب ورسائل الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

[المسألة الحادية والأربعون: هل العباد مجبورون على الأعمال؟]

صفحة 476 - الجزء 1

  وبنوا البيوت، واتخذوا المضال، وقد من علينا به وأخبرنا أنه جعله، وذلك أنه ألهمنا بمنته أنْ غَزَلْنَا وهو علَّمنا ذلك، ونسجنا⁣(⁣١) وعملنا ما عملنا، وأخبرنا أنه قد جعله، فكذلك خلق ما عملنا من طاعة أو معصية ونحن عملناها جميعاً.

  وكذلك قال أيضاً: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ ٢٤ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ٢٥}⁣[إبراهيم]، ألا ترون أن الله سبحانه خلق الثمرة في الشجرة وأخرجها منها ونسب الخروج منها إليها وقال: {تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا}؟ وكذلك أعمال العباد خلقها ثم نسبها إليهم وأخبر أنهم عملوها.

[المسألة الحادية والأربعون: هل العباد مجبورون على الأعمال؟]

  فإن قالوا: أخبرونا عن العباد أمجبورون على الأعمال، من الإيمان والكفر والمعصية؟ أم لا؟ فقل: منهم من هو مجبور على ذلك، ومنهم من هو غير مجبور.

  فأما الذين جبروا على الطاعة فمنهم أهل مكة، افتتحها رسول الله ÷ قسراً فأسلموا كرهاً، ولو لم يسلموا قتلهم، واستحل دماءهم وأموالهم، فهذا وجه القسر والجبر.

  وأما الوجه الآخر: فإن الله تبارك وتعالى قد قذف في قلوبهم الهدى وكرّه إليهم الكفر والفسوق والعصيان ثم قال: {أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ ٧}⁣[الحجرات]، وقد قال في كتابه: {وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا}⁣[آل عمران: ٨٣].

  فإن قالوا: أخبرونا عن المشركين الذين لم يسلموا أجبروا على الشرك؟ فيقال لهم: إن المشركين لم يريدوا الإسلام فيجبروا على الشرك، ذلك أنهم لو أرادوا الإيمان فأكرهوا على الشرك كما أراد المشركون الشرك ورضوا به، وأراد الله أن يهديهم فجبرهم على الهدى وهم كارهون.


(١) في (ب، ج) أن غزلنا وهو عملنا ذلك ونسجنا وعلمنا ما عملنا ... إلخ.