مجموع كتب ورسائل الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

[جواب المسألة الحادية والأربعين]

صفحة 484 - الجزء 1

[جواب المسألة الحادية والأربعين]

  ثم قال: إن قال قائل: خبرونا عن العباد أمجبورون على الأعمال من الإيمان والكفر والطاعة والمعصية والغدر أم لا؟ فقل: منهم من هو مجبور على ذلك، ومنهم من هو غير مجبور، فأما الذين أجبروا على الطاعة فهم أهل مكة، افتتحها رسول الله ÷ قسراً فأسلموا لذلك كرهاً، ولو لم يسلموا قتلهم واستحل دماءهم وأموالهم، فهذا وجه القسر والجبر، وأما الوجه الآخر فإن الله قذف في قلوبهم الهدى وحبب إليهم الإيمان، وكره إليهم الكفر والفسوق والعصيان ثم قال: {أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ ٧}⁣[الحجرات]، ثم قال: {وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ ٨٣}⁣[آل عمران].

  فردنا عليه فيما يقول: أنا نقول: الحمد لله على ما رزقنا من العقول، والفهم بما نقول، فيا ويح الحسن بن محمد الجاهل، المتحير في أمره الغافل⁣(⁣١)، بينا يقول: إن الله يجبر العباد على الطاعة له والانقياد؛ إذ رجع فصرف ذلك إلى الرسول، فيا ويح ذي الجهل! من نازعه في ذلك؟ أو من ذا الذي لم يكن من أضداده قوله لذلك⁣(⁣٢)، ألا يسمع قول الله سبحانه وتعالى عن كل شأن شأنه فيمن أكرهته قريش على الكفر والعصيان ودعته إلى الخروج من الحق والإيمان، وصالت عليه بصولتها وأذاقته ما قدرت عليه من أليم عقوبتها حتى أعطاهم ما أرادوا بلسانه وقوله، وقلبُه مخالف لما لفظ به من مقاله، مطمئن بالإيمان مخالف لدين أهل العصيان، فقال في ذلك الرحمن: {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ١٠٦}⁣[النحل]، وكان الذي أكره وقلبه مطمئن بالإيمان عمار بن ياسر⁣(⁣٣) رحمة


(١) الجاهل الوسن بينا هو يقول. نخ (ب، هـ).

(٢) في (ب، ج، هـ، و): كذلك.

(٣) عمار بن ياسر: أبو اليقظان العنسي المذحجي، من السابقين الأولين المعذبين في الله أشد العذاب؛ شهد المشاهد كلها، وكان مخصوصاً منه بالبشارة والترحيب، وقال له: «مرحباً =