مجموع كتب ورسائل الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

[جواب مسألة الاستعانة بشيء من مال الرعية]

صفحة 619 - الجزء 1

  احتذى به فيه كائناً ما كان من الأفعال؟ كلا، وفالق الإصباح ومجري الرياح، إن من كان كذلك لبعيد من الخطأ في كل ذلك.

  وليس يلزم أهل العلم فيما يفعلون من الفعال إنكار من لا علم له من أهل الجهل، وإنما قول العلماء هو الحاكم على أقاويل الجهلاء، وليس أقاويل الجهلاء بأهل أن يحكم بها على العلماء، والحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، وسلام على المرسلين.

[جواب مسألة الاستعانة بشيء من مال الرعية]

  ومما سألت عنه وأحببت الجواب فيه: ما كان من مجيء كبراء أهل صنعاء إلينا ومشائخهم، وما سألونا من التقدم إليهم والمصير إلى بلدهم، فأخبرناهم بقلة ذات اليد وأنا لا نطيق الإنفاق على العساكر ولا نجد على⁣(⁣١) ذلك سبيلاً، فذكروا أنهم يعينونا ويجتهدون، وأن أهل البلد على ذلك مجمعون.

  فلما صرنا إليهم كُتِبَ على الناس على قدر طاقتهم، بل دون طاقتهم ودونها، فكتب على صاحب العشر آلاف مائة، وعلى صاحب العشرين ألفاً مائتان، وعلى صاحب الخمسين [ديناراً]⁣(⁣٢) ديناران، وعلى صاحب الثلاثين دينار، وشبيهاً بذلك، فكلهم إلى ذلك مسارع، وكلهم رأى فيه المنفعة لنفسه في ماله وحرمته.

  وقد علمت كيف كان فعل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ~ حين دخل البصرة بعد حرب طلحة والزبير، فوجد في بيوت المال من أهل البصرة مالاً كثيراً من الفيء الذي هو للصغير والكبير، والمرأة والرجل، والطفلة والطفل، فدعا كبراء البلد ووجوه أهله ثم قال لهم: إن في بيت مالكم مالاً، وبأصحابي حاجة شديدة، فأطلقوا لي حتى أقسمه على أصحابي دونكم. ففعلوا وأطلقوا له قسمه على أصحابه دونهم، فقسمه على أصحابه، فوقع لكل إنسان منهم خمسمائة درهم قفلة، ولم يدع أوساط الناس ولا النساء ولا الصبيان ولا كل


(١) في (ب، هـ): إلى.

(٢) ساقط من (هـ).