[كيف يأخذ جبريل # الوحي عن الله]
[كيف يأخذ جبريل # الوحي عن الله]
  وسألت أكرمك الله وحفظك وأعانك على طاعته ووفقك، فقلت: كيف يأخذ جبريل # الوحي عن الله؟ وكيف يعلمه؟ وكيف السبيل فيه من الله حتى يفهمه؟
  واعلم هداك الله أن القول فيه عندنا كما قد روي عن رسول الله ÷ أنه سأل جبريل عن ذلك فقال: «آخذه من ملك فوقي، ويأخذه الملك من ملك فوقه. فقال: كيف يأخذه ذلك الملك ويعلمه؟ فقال جبريل: يلقى في قلبه إلقاءً ويلهمه إياه إلهاماً»، وكذلك هو عندنا أنه يلهمه الملك الأعلى إلهاماً، فيكون ذلك الإلهام من الله إليه وحياً، كما ألهم تبارك وتعالى النحل ما تحتاج إليه، وعرفها سبلها حين كان منها من ذلك في بناء شهودها(١)، وتسوية ما تسوي لأولادها، وما تجتنيه من الأشجار، مما تعلم أن فيه الشراب الذي ذكر الله أنه شفاء، سماه الله سبحانه شفاء للناس، من العسل الذي يخرج من أجوافها، فقال تبارك وتعالى: {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ ٦٨ ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ٦٩}[النحل]، فكما جاز أن يلهم النحل ما تحتاج إليه فتفهمه حين فهمت الأشجار وميزت الثمار، فعرفت ما يخرج منه العسل فقصدته، وعرفت ما لا عسل فيه فتركته، مع عجائب كثيرة من أمرها، ودلائل على أثر الصنع في فعلها، يستدل به من جعل له لب، ويعرف أثر صنع الله فيه من كان له قلب.
  فكذلك فعل الله في الملك يلهمه ما أراد إلهاماً، ويلقيه في فهمه إلقاء، فيكون فعل الله في ذلك منيراً ساطعاً، عند كل من كان ذا عقل نافع، لا يمتنع من قبوله
(١) في هامش (أ، د): بيوتها. وفي (ج): شهودها وأبنيتها.