[كيف يحاسب الله العباد يوم القيامة؟]
  عقل عاقل، ولا يكون عند [كل](١) ذي تمييز بحائل.
  فإذا ألهمه الله ما أراد سبحانه ثبت في قلبه بغاية الثبات كل ما وقع من ربه في الحالات، أثبت وأوضح في قلبه من كلام لو سمعه من غيره؛ لأن هذا الإلهام من الله فعل مفعول في الملهم، وما كان من فعل الله وإلقائه إلى عبده، فهو أثبت وأوضح من إلقاء مخلوق إلى مخلوق مثله.
  فهذا معنى ما عنه سألت من وصول حكم الله ووحيه إلى المؤدي عنه من ملائكته، ما أراد وشاء من فرضه.
  فأعمِل فكرك في تدبيره يوصلك ذلك إن شاء الله إلى فهمه، ويوردك إلى ما أردت من علمه.
[كيف يحاسب الله العباد يوم القيامة؟]
  وسألت كيف يحاسب الله العباد يوم القيامة؟ وما معنى الحساب في يوم المعاد؟
  والقول في ذلك: أن الله ذا الجلال والإحسان قد جعل مع كل إنسان ملكين في كل حال، عن اليمين وعن الشمال، يحفظان عليه فعله، ويحصيان عمله، ويكونان شاهدين عليه بكسبه، محصيين ما يكون من صنعه، فإذا كان يوم القيامة، ويوم الحسرة والندامة، أتى به ملكاه إلى من أمره الله من الملائكة بمحاسبة العباد، ومحاسبتهم: فتوقيفهم على أفعالهم، وتعريفهم ما كان من أعمالهم، ثم يشهد(٢) حافظاه عليه، ووقَّفاه على ما كان من أمره، وبكّتاه بمعاصيه لربه، ووقفاه على جرأته على خالقه، فلم يذرا مما تقدم منه شيئاً إلا أوقفاه عليه حرفاً حرفاً، فهذا معنى محاسبة الرب لعباده.
  فإن قلت: فما معنى ذلك إذ كان العقاب لازماً على المعاقبين، والثواب واجباً للمثابين؟
(١) زيادة من (أ).
(٢) في (هـ): شهد.