مجموع كتب ورسائل الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

[ما يوم القيامة؟ وما معنى القيامة؟]

صفحة 658 - الجزء 1

  قيل لك: لأن في تعريف المعاقب ما تقدم من فعله⁣(⁣١)، وتوقيفه على ما أتى به من عمله حسرة عليه في يوم الدين أيما حسرة، وفي تحسره جزء عظيم من عذابه، وكان⁣(⁣٢) توقيفه سبباً لتحسره وغمه، وكان تحسره وغمه زيادة في عذابه وخزيه.

  وكذلك معنى توقيف الله الصالحين على فعلهم، وإعلام حفظتهم لهم ما حفظوا عليهم من عملهم، فكان ذلك سروراً للمؤمنين، وإيقاناً من المتقين بنجاح فعلهم، وحسن موقعه عند ربهم، وبشارة سابقة إليهم من الرحمن بما أعد لهم من الفضل والجزاء والخير والإحسان، فكان ذلك زيادة من الله في ثوابهم، وبشارة سبقت إليهم في يوم معادهم. فهذا معنى ما عنه سألت من الحساب ومعناه، وما أراد الله بذلك وشاءه.

[ما يوم القيامة؟ وما معنى القيامة؟]

  وسألت فقلت: ما يوم القيامة؟ وأي شيء معنى القيامة؟

  القول في ذلك: أن يوم القيامة يوم جعله الله تبارك وتعالى وقتاً لحشره، وحيناً لبعثه ونشره، أبان فيه وعيده ووعده، وأبان فيه ما حتم به من حكمه، أنصف فيه المظلوم، وأظهر فيه الحق المعلوم، فأوصل وعده إلى أوليائه، ووعيده إلى أعدائه، وأقر كلاً في داره؛ ليُعلِم كلاً⁣(⁣٣) صِدْقَ قولِه، ويرى إنفاذ إرادته، {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ ٨٩ وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ٩٠}⁣[النمل]. فأما معنى تسمية ذلك اليوم بالقيامة، فمعنى القيامة هي: قيامة هذه الأشياء التي ذكرنا، وقيامها فهو ظهورها، وظهورها فهو كينونتها، من ذلك ما يقول القائل: قد قامت الحرب بينهم، يقول: لقحت وبانت وظهرت واستقامت، ومن ذلك


(١) في (هـ): ذنبه.

(٢) في (أ، ب، ج، هـ): فكان.

(٣) في هامش (أ) (كلٌ) مصلَّحة، ولعله بناها للفاعل.