[معنى قوله تعالى: {يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات}]
  مستجنة سميت باستجنانها جاناً، ألا تسمع كيف قال إبليس في آدم # حين يقول: {أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ ١٢}[الأعراف]، فهذا دليل على ما به قلنا، وأدل منه قول الله تبارك وتعالى: {وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ ١٥}[الرحمن]، وهذا مما لا شك فيه ولا امتراء، والحمد لله العلي الأعلى.
[معنى قوله تعالى: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ}]
  وسألت عن قول الله سبحانه: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ}[إبراهيم: ٤٨]؟
  تأويل تبدل: هو تغير، وتغييرها هو نسف ما على وجهها من الجبال، وبعثرة ما فيها من القبور، وبعثرة القبور فهو إخراج ما فيها من الموتى، وردهم بعد الفناء أجساماً أحياء، وتسوية تفاوتها، ودكها دكاً، كما قال الله العلي الأعلى: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ ...} إلى آخر الآية، وتبديل حالها تسوية خلقها وعدل متفاوتها، وقشع أوساخها(١) وتجديد بهجتها، واستواء أقطارها، حتى تكون الأرض مستوية فيحاء(٢)، معتدلة الأرجاء، لا تفاوت فيها ولا اختلاف، بل تكون في ذلك اليوم كلها على غاية الاستواء والائتلاف، لا يرى شيء من آلة الدنيا فيها، ولا أثر فعل من أفاعيل الدهر عليها، فهذا تبديلها وتغييرها.
  وكذلك تبديل السموات فهو رد الله لها إلى ما كانت عليه في الابتداء، ثم يردها على ما هي عليه اليوم من الاستواء، من بعد أن تصير كالمهل، والمهل فهو: شيء يكون كالدهن يخرج من صفو القطران، فذكر الرحمن أنها تكون في يوم الدين كالمهل السائل بعد التجسيم(٣) الهائل، فهو قوله سبحانه: {يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ ١٠}[الدخان]، يريد أنها تعود إلى ما كانت عليه من الدخان
(١) في (هـ): أوشاجها. قال في المعجم: يقال عليه: أوشاج غزولٍ: ألوان داخل بعضها في بعض.
(٢) فيحاء: دار واسعة. معجم الرائد.
(٣) في (ب، هـ): التجسم.