[الحكمة في إمهال الظالمين]
  يورده إلى دار الذل أبد الأبد، كما قال الله ø: {مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ ١٩٧}[آل عمران]، وقال النبي ÷ في الأمراء الظالمين: «طعمة قليلة وندامة طويلة».
[الحكمة في إمهال الظالمين]
  وفعل هؤلاء الظالمين وأمرهم وسلطنتهم إنما تقوم بأعوانهم الذين يتبعونهم، ويعينونهم على ظلمهم، وإذا تفرق الأعوان منهم وأسلموهم لم تقم لهم دولة، ولا تثبت لهم راية، فمتى كثرت جماعتهم تقووا بهم على باطلهم، واستضعفوا المستضعفين من خلق الله، وأمهل لهم ربهم وتركهم، ولم يَحُل بينهم وبين من يظلمونهم؛ إذ كلٌّ ظالم، القوي والمستضعف، وذلك قوله ø: {وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ١٢٩}[الأنعام]، وقال: {أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا ٨٣}[مريم]، يقول: خليناهم عليهم، كما قال: {بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ}[الإسراء: ٥]، وكما قال النبي ÷: «لتأمرن بالمعروف ولتنهن عن المنكر، أو ليسلطن الله عليكم شراركم فيسومونكم سوء العذاب، ثم يدعو خياركم فلا يستجاب لهم، حتى إذا بلغ الكتاب أجله كان الله المنتصر لنفسه، فيقول: ما منعكم إذ رأيتموني أعصى أن لا تغضبوا فيَّ(١)».
  فمن هذه الجهة ترك الظالمين ولم يأخذهم؛ لأن الرعية في ظلمهم وتظالمهم فيما بينهم أصناف: فقوم يقولون على الله بالجبر والتشبيه، وينفون عنه العدل والتوحيد، وينسبون إليه ø أفعال العباد، ويقولون: إن هذا [الظلم(٢)] الذي نزل بهم بقضاء [من الله(٣)] وقدر، ولولا أن الله قضى عليهم بهذا الظلم الذي نزل بهم من هؤلاء الظالمين ما إذاً قدر الظالم أن يظلمهم، غير أن هذا الظلم مقدر عليهم عند الله
(١) في (ب): لي.
(٢) زيادة من (ب).
(٣) زيادة من (ب).