[معنى قوله تعالى: {وإن من شيء إلا يسبح بحمده}]
  كبرائهم يعمهون، لم يروا محدوداً على حد فيخافوا ما ناله، ولم يروا مهتدياً فيتبعوا حاله، ضلال أشقياء، متجبرون أردياء، قد غرقوا في الضلال المبين، وجنبوا عن طريق الحق واليقين، أتباع كل ناعق، سَيِّقَة(١) كل سائق، لا يعرفون سبيل رشد فيتبعوه، ولا طريق هلاك فيتجنبوه، قد اتخذهم كبراؤهم سنداً، وجعلوهم لهم يداً، يطفئون بها نور الهدى، ويقتلون بها أهل التقوى، ويظهرون بها [أهل](٢) الفحش والردى، ويخملون بها نور الإسلام، ويظهرون بها أفعال الطغام، ويحاربون بها من دعا إلى دين محمد #، يتبلَّغ الجبارون المتكبرون بأتباعهم المتحيرين، وينالون بهم معصية رب العالمين.
  فلما أن علمنا أن هذه حالهم، ووقفنا على أنها سبيلهم، لم نستجز بعد ملكهم والقهر لهم، والعلو بعون الله على جبابرتهم - أن نقيم الحدود فيهم مع ما قد علمنا من جهلهم، حتى نبين لهم ما ندعوهم إليه، وما نوقفهم عليه، ثم نمضي الحدود بعد الإنذار والإعذار، {لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ ٤٢}[الأنفال].
[معنى قوله تعالى: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ}]
  وسألت أكرمك الله عن قول الله سبحانه: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ}[الإسراء: ٤٤]؟
  واعلم أن معنى هذا وأحسن ما يؤول في فهمنا: أن الله تبارك وتعالى أراد بذلك أنه ليس من شيء إلا وفيه من أثر صنعه وتدبيره وتقديره ما يدل على جاعله ومصوره، ويوجب له سبحانه على من عرف أثر صنعه فيه التسبيح والتهليل، والإقرار بالوحدانية والتبجيل، عند تفكر المتفكر، واعتبار المعتبر، بما
(١) السَّيِّقة: ما يساق من الدواب. (معجم وسيط).
(٢) من (ب، هـ)، وهو الصواب.