[قول أهل الجنة لأهل النار: {فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا قالوا نعم}]
[قول أهل الجنة لأهل النار: {فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ}]
  وسألت عن كلام أهل الجنة لأهل النار في قولهم: {فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ}[الأعراف: ٤٤]، فقلتَ: أمثلٌ هو مضروب أم قول مقول؟ وقلت: هل يقرب بينهما حتى يكلم بعضهم بعضاً؟
  واعلم - هديت ووفقت - أنه قول مقول منهم، وعمل معمول من فعلهم.
  فأما ما سألت من القرب بينهم حتى يسمع بعضهم قول بعض فليس ذلك كذلك فيهم، ولا ذلك فعل الله تبارك وتعالى بهم، وكيف يسمع أهل الجنة كلام أهل النار، وهم لا يسمعون حسيس النار، فحسيس النار أشد حساً وأبعد صوتاً(١) من كلام أهلها الذين ذكر الله عنهم وشرح سبحانه أنه(٢) يكون منهم، ألا تسمع كيف يقول سبحانه: {لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ ١٠٢}[الأنبياء]، فأخبر أن المؤمنين لا يسمعون لها حسيساً، وأنهم عنها مبعدون، وإنما كلامهم لأهل النار وكلام أهل النار لهم عند قولهم: {أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ}[الأعراف: ٥٠]، فهو بالرسائل التي تبلغها الملائكة عنهم وتمشي بها بينهم، وذلك منها صلوات الله عليها فبإذن لها من الله فيه وتقدير منه سبحانه لها عليه.
  وإنما جعلهم الله كذلك وأذن لهم في ذلك ليكون ذلك سروراً للمؤمنين ومعرفة منهم بما نزل بالمكذبين الضالين، فيتجدد لهم بذلك البهج والسرور، وتكثف لهم به الغبطة والحبور، ويكون من علم أخبار المؤمنين وما هم عليه من عطايا رب العالمين حسرة في قلوب الكافرين، وعذاباً لهم مع عذاب النار، وأسفاً لما فاتهم من كريم القرار ونعيم الدار، التي جعلها الله ثواباً للأبرار، فافهم ما عنه سألت، وقف من الجواب على ما طلبت.
(١) في (ب، هـ): ضرراً.
(٢) في (ب، و): أن.