مجموع كتب ورسائل الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

[تحريم الزكاة على الظالم]

صفحة 82 - الجزء 1

  فيوالون أولياءه، ويعادون أعداءه، ويحلون حلاله، ويحرمون حرامه، ولا يتعدون حداً من حدوده - وجب لهم حينئذ الزكاة.

  وإذا لم يكونوا على هذه الصفة لم يجب لهم من الزكاة شيء وإن كانوا معدمين فقراء؛ لأن الله ø جعل هذه الزكاة لعباده المسلمين وأوليائه الصالحين لأن يتسعوا فيما رزقهم الله، ويستغنوا بفضل الله الذي أفضل عليهم، ويثيب أهل الأموال فيما أخرجوا من زكوات أموالهم؛ لأن يستعين كل بنعمة الله وفضله.

[تحريم الزكاة على الظالم]

  فإذا كان الفقير على غير الاستواء ثم دفع صاحب الزكاة إليه شيئاً من المال، فقد قواه على فسقه وفجوره وطغيانه، وكان له شريكاً في عصيانه، كدأب الذين يعينون الظالمين، ويقيمون دولتهم بزرعهم وتجارتهم، وينصرونهم على قتل المسلمين وهتك حريمهم وأخذ أموالهم، ولولا التجار والزارعون ما قامت للظالمين دولة، ولا ثبتت لهم راية؛ ولذلك قال الله تبارك وتعالى: {وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ}⁣[هود: ١١٣].

  وقال رسول الله ÷: «إن الله بعثني بالرحمة والملحمة⁣(⁣١)، وجعل رزقي في ظلال رمحي، ولم يجعلني حراثاً ولا تاجراً، ألا إن شرار عباد الله الحراثون والتجار إلا من أخذ الحق وأعطى الحق»؛ لأن الحراثين يحرثون والظالمين يلعبون، ويحصدون وينامون، ويجوعون ويشبعون، ويسعون في صلاحهم، وهم يسعون في هلاك الرعية، فهم لهم خدم لا يؤجرون، وأعوان لا يشكرون، فراعنة جبارون، وأهل خنا فاسقون، إن استرحموا لم يرحموا، وإن استنصفوا لم ينصفوا، لا يذكرون المعاد، ولا يصلحون البلاد، ولا يرحمون العباد، معتكفون على اللهو والطنابير، وضرب المعازف والمزامير، قد اتخذوا دين الله دغلاً،


(١) في (ب): واللحمة.