معيار أغوار الأفهام في الكشف عن مناسبات الأحكام،

عبد الله بن محمد النجري (المتوفى: 877 هـ)

[القسم الأول: حقوق الله تعالى]

صفحة 152 - الجزء 1

  الثاني: ما شرع نسكاً مستقلاً كهدي التمتع والقران وهدي التطوع، فهذا عبادة محضة؛ ولذلك جاز لمهديه وغيره من سائر ذوي القرابة الأكلُ منه؛ إذ وجه شرعيته الزيادة في الكرامة لوفَّاد بيت الله، على ما مر.

  فرع: فعلم أن زمان الضرب الثاني أيام النحر؛ لأنه نسك فوقته وقت مناسك الحج دون الأول؛ إذ شرع جبراً فلا وقت له إلا دم الإحصار والفساد؛ إذ لا جبر فيهما؛ لوجوب قضاء ما أُحْصِرَ عنه وما أفسد، فكان نسكاً، ومكان الضربين معاً الحرم.

  فرع: ولما في الضربين معاً من قضاء حق الكرامة تعلقت القربة بنفس الإراقة، فلم يصح التصدق بها حيَّةً، وكان لها مكان مخصوص وهو بيت الله وفِناؤه، كما ذكرنا، وزمان مخصوص وهو وقت الضيافة التي هي أيام التشريق، لكن هذا في الضرب الثاني وبعض الأول فقط، كما ذكرنا وشرع انتخاب الهدي وتعظيمه بالجِلَالِ والقلائد، وتتبعه في التصدق بها.

  فرع: ولتعلق القربة بالإراقة تعين ما اشترى⁣(⁣١) أو ساقه بنيته له، وصار كالوديعة في يد المحرم، يجب حفظه وحفظ فوائده، وحرم استعماله حتى يبلغ مَحِلَّه وهو باق على ملك صاحبه عندنا، فله إشراك غيره تبرعاً ممن يوافقه في افتراض أو تنفل لا معاوضة، وله صرفه من⁣(⁣٢) واجب عَيَّنه إلى غيره؛ إذ لم يفت في هذه كلها ما قصد به من صرفه في محله، وليس له أن يعطي جازِرَها شيئاً من إهابها أو لحمها على وجه الأجرة.

  فرع: ولتأكيد القربة صار ما تعلقت به مما سبق⁣(⁣٣) بنيته فرضاً متعيناً يجب الوفاء به وبفوائده مضموناً على المحرم حتى يبلغ مَحِلَّه زماناً ومكاناً، فإذا ضاع بغير تفريط وهو نفل لم يجب ضمانه، فإن تبرع بإبداله ثم وَجَدَ الأول وَجَبَا معاً؛ لأن تبرعه بالثاني كتبرعه بالأول، بخلاف ما إذا كان بتفريطه أو كان فرضاً فلا


(١) في (ب، ج): «ما اشتراه».

(٢) في (ب): عن.

(٣) في (ج): سيق.