معيار أغوار الأفهام في الكشف عن مناسبات الأحكام،

عبد الله بن محمد النجري (المتوفى: 877 هـ)

[القسم الأول: حقوق الله تعالى]

صفحة 157 - الجزء 1

  وشرطٌ: وهو تأثيرهما في حصول المقصود الذي هو الائتمار والانتهاء، ومانعٌ: وهو تأديتهما إلى ضياع معروف أو وقوع منكر مثل متعلقهما أو أعظم.

  فرع: ولكون الأول سبباً لا بُدَّ فيه من اليقين، ولكون الثاني شرطاً يكفي فيه الظن، ولكون الثالث مانعاً يكفي في عدمه عدمُ ظنِّ وقوعه، فعند وجود السبب وانتفاء المانع يَحْسُنان، ولو تخلف الشرط لا عند وجود المانع؛ إذ عدمُه كالجزء من السبب.

  فرع: ولما كانا غير مقصودين في أنفسهما كانا ديانة، فلا يفتقران إلى نية، ويتأديان مع مصاحبة معصية، لكن لا يصح فيهما استنابة لما تقدم في الجهاد، وفيهما شائبةُ حقٍّ لآدمي؛ إذ هما صلة وقضاء لحق الأخوة، لما فيهما من الإرشاد والإنقاذ من سبب الهلكة؛ ولذلك لم يفتقرا إلى الإمام، وكان ذو القرابة أخصَّ بهما من غيره، كما أشار إليه الشارع في قوله تعالى: {قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً}⁣[التحريم: ٦]، وقوله تعالى: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ٢١٤}⁣[الشعراء].

  فرع: ولما كان ترك القبيح أهمَّ من فعل الواجب كان النهي عن المنكر أهمَّ من الأمر بالمعروف، وتظهر الأهمية بثلاثة أحكام:

  الأول: أنه لا يسقط بما يسقط به الواجب من خوفِ ضررٍ ونحوِه، بل حكمه حكم متعلقه، فلا يُستباح إلا بما يُستباح به القبيح، ومن ثَمَّ قال بعضهم: إن ترك النهي أعظمُ وِزْراً من فعل المنكر، ووجهه: أنه سبب فيه مع كونه إخلالاً بما هو من شعار الدين.

  الثاني: أنه يُقدَّم عليه عند التعارض.

  الثالث: أن القتال عليه بالسيف لا يفتقر إلى إمام على الأصح، بخلاف الأمر بالمعروف.

  وزاد بعض أصحابنا رابعاً، وهو: أنه لا يجب مجاوزة الميل في الأمر بالمعروف، ويجب في النهي عن المنكر مهما لم يحتج إلى غرامة مالٍ.