الضرب الثاني: الأفعال
  وقال بعض أصحابنا: إذا علَّقها(١) بأسبابها(٢) وعَلَّق ذلك التعليق بشرط، وتأخر حصوله، صح ذلك نحو: إذا شفى الله مريضي فما أرثه من فلان صدقةً، ثم وقع الشفاء بعد الإرث؛ لأن الملك وقع وقد انعقد السبب(٣). ويجيء مثل ذلك في الطلاق والعتق وغيرهما؛ إذ العلة واحدة، فحصل من هذا أنه لا يصح التصرف قبل الملك مطلقاً، عند بعضهم، وعند الحنفية يصح حيث علق بالسبب مطلقاً.
  وعندنا يصح حيث علق بالسبب(٤) وبشيء تأخر حصوله، وكذا إذا قال: إن ملكت عبداً أو عبد فلان فعليَّ أن أعتقه، أو أتصدق به، كما إذا قال: علي أن أعتق عبداً بخلاف: علي أن أعتق عبد فلان، فلا يصح اتفاقاً؛ لأن المعلق هنا هو العتق نفسه والمحل غير صالح؛ لعدم الملك، وفي المسألة الثانية المعلق الوجوب، وفي الأول المعلق التعليق، ولا مدخل لصلاحية المحل فيهما.
  فرع: وعلى هذا الأصل إذا أحرم مالك الصيد، ثم تصرف فيه بنذر، أو وقف أو إباحة، أو توكيلٍ بتصرف معلِّقاً لذلك بِحِلِّه من إحرامه، صح ذلك؛ لأنه وإن خرج عن ملكه بالإحرام فقد بقي له فيه حق هو سبب عوده إلى ملكه إذا حَلَّ.
  ومن وقف عليه شيء صح منه النذر بغلاته؛ لأن له فيه حقاً هو سبب لملكه المنافع على ما سيأتي إن شاء الله تعالى.
  فرع: وعلى ما ذكرنا من السببيَّة قالت الشافعية: إذا قال: أنتِ طالق، أو حرٌ أو عليَّ نذرٌ بكذا، أو أنت بريء إن وقع كذا، ثم قال: قد عجَّلتُ هذا المشروط من طلاق أو غيره، فإنه يقع في الحال؛ لأنه قد وجد سببه فهو كتعجيل الزكاة قبل الحول، فإذا وجد الشرط بعد ذلك لم يقع به شيء؛ لارتفاع التعليق بالتعجيل، كما لا يجب بالحول زكاة أخرى، ومثل هذا لا يصح عند الحنفية.
(١) أي: الإنشاءات.
(٢) أي: أسباب الصلاحية. هامش (ج).
(٣) أي: سبب الحكم. هامش (ج).
(٤) أي: سبب الصلاحية. هامش (ج).