معيار أغوار الأفهام في الكشف عن مناسبات الأحكام،

عبد الله بن محمد النجري (المتوفى: 877 هـ)

[القسم الثاني: حقوق المخلوقين]

صفحة 319 - الجزء 1

  فرع: ولما كان المستغرِق رجوعاً لم يصح أن يكون المستثنى ملفوظاً به في المستثنى منه بخصوصه نحو: سعدٌ وجميع عبيدي أحرار إلا سعداً، وهند وزينب وعمرة طالقات إلا هند، وهذا وهذا وهذا أحرار إلا هذا.

  فرع: ولذلك قال الشافعي: إذا قال: أنت طالق واحدةً وواحدةً وواحدةً إلا واحدةً لم يصح الاستثناء، وهو الموافق لقياس ما تقدم.

  فإن قيل: ألم يَمُرْ أن المتعاطفات مُنَزَّلَةً مَنْزِلةَ اللفظ الواحد كما تقدم في المستثنى المتعاطف؟

  قلنا: هو مُنَزَّل منزلة المنطوق به دفعة واحدة لا منزلة الكلمة الواحدة وفَرْقٌ ما بينهما، فلذلك بطل حيث هو مستثنى؛ لعدم خصوص بعضه على بعض، وأما حيث كان مستثنى منه فيبطل الاستثناء من حيث إنه رجوع عما لفظ به بخصوصه فيكون إبطالاً لنفس اللفظ لا تغييراً له؛ ولذلك لم يصح الاستثناء في المثنى نحو: هذان حران إلا هذا؛ لأنه بمنزلة هذا وهذا، بخلاف الجمع فإن أفراده لا تتناهى ومراتبه لا تنحصر، ويصح إطلاقه على الواحد والاثنين مجازاً؛ ولذلك صح استثناء جميع أفراده إلا واحداً، بخلاف المثنَّى.

  فرع: وفي حكم المستغرق عندنا والشافعي كل عبد لي حر إلا هذا، ولا عبدَ له سواه، وكل امرأة لي طالق غير هذه ولا زوجة له سواها، ونحو ذلك بناء على الاستثناء مما صدق عليه اللفظ فيكون المستثنى⁣(⁣١) نفس المستثنى منه.

  وقالت الحنفية: هو من المفهوم الأعم فلا يقع عتق ولا طلاق لصحة الاستثناء بخلاف ما إذا قال: سوى هذا وغَيرِ هذه بالكسر؛ إذ ليس باستثناء بل صفة، فلا يقع شيء اتفاقاً.

  وبخلاف ما إذا قال: نساء الدنيا طوالق إلا امرأتي، وكل عبد في الدنيا حر إلا عبيدي، وأبرأت جميع الناس إلا خصومي؛ لأن ما صدق عليه اللفظ أعمُّ من


(١) في (أ): «الاستثناء».