معيار أغوار الأفهام في الكشف عن مناسبات الأحكام،

عبد الله بن محمد النجري (المتوفى: 877 هـ)

[القسم الثاني: حقوق المخلوقين]

صفحة 321 - الجزء 1

  فهذه نبذة من الأحكام الشاملة لها، ثم لنذكر كل⁣(⁣١) منها في باب يختص به إن شاء الله تعالى.

باب النذر

  هو إيجاب فعلٍ أو تركٍ على النفس فيصير المنذور به واجباً كالواجب بإيجاب الله تعالى.

  فرع: ولما كان إيقاعَ تكليفٍ وليس ذلك إلى العبد لم يصح عند الأكثر إلا فيما جنسه واجب، فيصير إيجاب الله تعالى لجنسه إذناً بإيجابه بعد أن ورد الشرع به على الجملة، وقد تقدم تحقيقٌ في باب الصوم أكثر من ذلك.

  فرع: فلذلك صح في الأموال مطلقاً؛ لوجوب جنسها كما في حقوق الله المالية، وكذلك المنافع؛ إذ هي مال في المعنى كحفر بئر، وبناء سقاية ومسجد، وسكنى دار، وخياطة ثوب، وكذلك الحقوق المستقلة كحق الاستطراق والتعلية، وغير المستقلة كالشفعة، والخيار على من هي عليه وعلى غيره، فيكون إسقاطاً.

  فرع: فإذا نذر بخدمة نفسه أو عبده لزمه التسليم وبرئ⁣(⁣٢) منه حيث تمكَّن المنذور عليه من الانتفاع.

  فإن وقّته بوقت لغا ذكره؛ إذ لا أصل له فإن نذر بتأجيل ثمنِ مبيعٍ أو بإسقاطه صح ذلك، وكذا كل دين يستند إلى عقد.

  فرع: فإن امتنع من تسليم المنفعة حتى تعذرت لزمه قيمتها وقت التعذر؛ إذ هو وقت الانتقال إلى البدل.

  فرع: فإن كانت الأموال المنذور بها في الذمة صح النذر مطلقاً ولو قضى عنه جميع ما يملك؛ لأن إخراجها حينئذ بالمعاوضة. بخلاف ما لو نذر بجميع ما يملك فلا يصح إلا الثلث عند جماعة؛ إذ لم يشرع التبرع بأكثر منه كما في الوصية، وأما الهبة فإنما صحت؛ لأن فيها شُبْهة معاوضة كما مر، [كما]⁣(⁣٣) لو باع


(١) هكذا في الأصل والصواب: «كلًا».

(٢) في (ب، ج): «ويبرئ به».

(٣) ساقط من (أ).