معيار أغوار الأفهام في الكشف عن مناسبات الأحكام،

عبد الله بن محمد النجري (المتوفى: 877 هـ)

[القسم الثاني: حقوق المخلوقين]

صفحة 322 - الجزء 1

  جميع ما يملك بشيء تافهٍ؛ لوقوع التبرع في ضمن المعاوضة، فإن تكرر النذر تكرر الثلث على الأصح؛ لزوال المانع.

  فرع: ولما كان النذر بالمال محمولاً على حقوق الله المالية كانت فيه قُربةٌ ما، فلم يصح من الكافر، واشترط خُلوُّه من المعصية، فلم يصح للفساق عموماً وأهل العصيان عموماً؛ لمنافاة المعصية للقُربة؛ ولذلك قال بعض أصحابنا: لا يصح النذر فراراً من الدَّين ونحوه؛ إذ هو معصية.

  فرع: ولما كان النذر بالمال نَقْلَ ملكٍ أشبه عقود التمليك، فلم يشترط فيه حقيقة القربة ولا قصدها، بل اكتفي بأن لا يكون المحلُّ منافياً لها كأن يكون معصية، فلذلك صح على الكافر المعيَّن والغني، بخلاف النذر بالفعل فلا بد فيه من حقيقة القربة؛ لأنه محمول على العبادات البدنية.

  فرع: وإنما يكون النذر بالمال تمليكاً حيث هو على آدميٍّ معيَّن فتثبت له أحكام الملك في الحال، لا إذا كان على غير معين كعلى الفقراء، فيكون الخلاف في تعيينه كما في حقوق الله تعالى كالزكاة.

  فمن نذر بحفر بئر على قوم محصورين لم يشرط⁣(⁣١) فيه حقيقة القربة وتعيَّن، فليس له إخراج القيمة إلا أن يرضوا، أو على غير محصورين يشترط فيه حقيقة القربة، ويأتي الخلاف في إخراج القيمة وفي فوائده قبل إخراجه.

  فرع: ولشبهه بعقود التمليك اشترط بعض أصحابنا قبولَ المنذور عليه كسائر العقود؛ إذ المشروع في نقل الأملاك هي العقود.

  والجمهور يقولون: إنما يشترط القبول في المعاوضات؛ لكون العوض من الطرفين، فيكون اللفظ منهما أيضاً، بخلاف غيرها فيكتفى بالإيجاب، على أنه قد اشترط هنا عدم الرد في المجلس تنزيلاً له منزلة القبول مراعاة لذلك الشبه البعيد، ولِبُعْدِ ذلك الشبه صح في المجهول جهالةً كلية، وفي الدَّين على من هو عليه وعلى غيره، وفي المعدوم فيكون في الذمة لا⁣(⁣٢) إذا عُلِّق بعينٍ معدومة كـ: ما


(١) في (ب، ج): «يشترط».

(٢) ساقط من (ب)، وفي (ج): «إلا».