الضرب الثاني: الأفعال
  فرع: فإن لم ينعقد النذر من أول الأمر كالنذر بما ليس له أصل في الوجوب، أو على جماد أو حيوان لا يتملك فلا كفارة، وكذا النذر بالمعصية، فإن القياس عدم وجوب الكفارة كما ذهب إليه جماعة؛ لعدم انعقاده، لكن لما كان ذنباً مع كونه في صورة ما تجب فيه الكفارة، كان ذلك مناسباً لوجوبها، كما أشار إليه الشارع(١)، وعلى هذا لا تسقط بعدم الحنث؛ إذ هي الواجبة ابتداء، كما ذكره بعض أصحابنا، لا أنها خَلَفٌ على(٢) البر؛ لعدم الانعقاد.
  فرع: وأُلْحِقَ بذلك النذرُ بما لا يُطاق نحو: ألف حجة، أو صعود السماء، أو أن يصوم بعد موته؛ لأن النذر نوع من التكليف كما تقدم، وتكليفُ ما لا يطاق قبيحٌ، ولأن مثل ذلك لو أوجبه الله لقبح منه، وهذا بخلاف النذر بالمال فيصح مطلقاً؛ لقبول الذمة فَيُسَلِّم ما تمكَّنَ منه.
  فرع: فعلم أنه إذا اتَّحد النذر وتعدد المنذور به وكان فيه ما هو معصية، بطل النذر في الجميع، ولزمت الكفارة؛ لأن النذر حينئذ معصية؛ لاشتماله على المعصية نحو: عليَّ لله صوم يوم من شعبان وإفطار يوم من رمضان، أو ألفُ حجة وحجة أو ركعتين، أو عليَّ لله صعود السماء ودرهم؛ إذ لا يتبعض النذر الواحد كما لا تتبعض اليمين.
  فرع: فإن قال: عليَّ صيام كل يوم عقيب يوم يلزمني صيامه، فمتى لزمه صيام ما وقع شرط نذره فيجب عليه الكفارة فقط، لأنه نذر واحد مشتمل على ما لا يقدر عليه، وهو صوم اليوم الذي بعد موته، بخلاف ما إذا قال: كلما لزمني صيام يوم فعليَّ صيامُ اليوم الذي بعده، فهذه نذور مكررة، فمتى لزمه صيامٌ مَّا
(١) أخرج الإمام أحمد بن عيسى في الأمالي عن ابن عباس أن النبي ÷ قال: «من نذر نذراً لم يسمه فكفارته كفارة يمين، ومن نذر نذراً فيما لا يطيق فكفارته كفارة يمين، ومن نذر نذراً في معصية الله فكفارته كفارة يمين، ومن نذر نذراً فيما يطيق فليوف بما نذر»، وأخرج نحوه النسائي (٣٨٤٥) عن عمران بن الحصين، وأخرجه عنه أيضاً البيهقي في الكبرى (٢٠٥٦٦).
(٢) في (ب، ج): «عن».