معيار أغوار الأفهام في الكشف عن مناسبات الأحكام،

عبد الله بن محمد النجري (المتوفى: 877 هـ)

الضرب الثاني: الأفعال

صفحة 388 - الجزء 1

  وقد ذهب جماعة إلى أنه لا شيء على شهود الإحصان لأن الرجم لم يستند إليهم وإن توقف كما ذكرنا في التزكية.

  قالوا: بدليل أنه إذا رجع شهود الزنا وحدهم ضمنوا الكل ولو كانوا جزء علة ضمنوا الثلثين فقط، كما أنه إذا رجع بعضهم ضمن حصته ليس إلا لكونه جزء علة.

  وجوابه: أن العلة في التحقيق هو الزنا، والإحصانُ شرطٌ كالجزء لاعتبار الشهادة فيه والحكم، فإذا رجع شهوده اعتبر شُبْهة⁣(⁣١) العلة، وإن رجع شهود الزنا وحدهم اعتبر حقيقة العلة صيانة لدم المسلم عن الضياع.

  فرع: ولكون الحكم مستنداً إلى الشهادة كلها ولو كانت فوق النصاب قال جماعة من أصحابنا وغيرهم: يضمن الراجع حصته ولو بقي النصاب.

  وقال الجمهور: لا شيء على الراجع ما بقي النصاب كاملاً، وقول الأولين: إن الحكم مستند إلى الجميع غيرُ مسلَّمٍ، بل إلى اثنين غير مُعَيَّنَيْن من ثلاثة شهدوا بحق مثلاً، فإذا رجع واحد فقط تعيَّن أن يكون مستند الحكم هو الآخِرين، ثم إذا رجع أحدهما بعد ذلك انكشف أنه لم يبق من أجزاء العلة التي يصلح مستنداً للحكم إلا الثالث وهو نصفها فيضمنان الراجعان نصفاً فقط.

  فرع: وقد علم أن الضمان بعد انتقاص النصاب على حَسَبِه كما حققناه، لا على الرؤوس، كما ذكره كثيرون، فيقولون: يضمن الاثنان في المثال المذكور ثلثين؛ لأن انخرام العلة كعدمها في عدم صلاحيتها مستنداً للحكم، لكنهم يوافقون في الزنا حيث رجع أربعة من ستة مثلاً أنهم يضمنون نصفاً لا ثلثين قالوا: لبقاء ما يصلح نصاباً وإن كانا في غير الزنا، والمعتمد هو القول الأول؛ لما ذكرنا.

  فرع: وقد علم أيضاً أنه إنما يضمن الشاهد حيث استند الحكم إلى شهادته فلا يضمن مردود الشهادة بجرح أو غيره، ولا من شهد بعد الحكم أو في غير وجه الخصم أو الحاكم؛ أو رجع قبل الحكم، وأنه إذا رجع الأصلان أو الفرعان


(١) في (ب): «شبه».