معيار أغوار الأفهام في الكشف عن مناسبات الأحكام،

عبد الله بن محمد النجري (المتوفى: 877 هـ)

[القسم الثاني: حقوق المخلوقين]

صفحة 390 - الجزء 1

  قلنا: امتناع المعاوضة عليها ابتداء لا يمنع من ضمان قيمتها عند الإتلاف؛ لأن المانع من صحة العقد عليها كونها غير موجودة حقيقة ولا حكماً كما مر، والموجب للضمان كون لها حصة من قيمة العين المشتملة عليها، ونظير ذلك ما تقدم من استغلال البقرة والشجرة بالاتفاق مع امتناع بيعها.

  فرع: وقد علم أن سبب الضمان هو تكذيبُ الشهود أنفسَهم؛ لأنه لما لم يثبت كذِبُهم إلا بإقرارهم لم يُنْقَض الحكم؛ إذ لا يُقْبَلون على المحكوم له بعد الحكم، فلو علم كذبهم من غير طريق إقرارهم نُقِض الحكم إن أمكن وإلا ضمن المباشر للفعل إن أمكن وإلا ضمن الشهود.

  فرع: فإذا شهدا بقتل بهيمة فانكشفت حياتُها نُقِض الحكم، وإن شهدا بقتل رجل فاقتص به ثم انكشف حياته ضمن عاقلة القاتل ولهم الرجوع على الشاهدين، وإن شهدا بزنا امرأةٍ فحُدَّتْ فانكشفت رتقاء ضمن الشهود، ولا ضمان على المباشِر؛ لأنه فعله بإيجاب الشرع.

  بخلاف الاقتصاص في المسألة السابقة؛ إذ هو حق له لا واجب عليه. وقيل: بل هما سواء في أن الضمان على المباشِر كما ذكرنا.

  فرع: ولما كان الرجوع إقراراً كان القياس يقتضي أنه يُوجب الضمان سواء كان في وجه حاكم أم لا كسائر الإقرارات بالجنايات، لكن ذكر أصحابنا والحنفية: أنه لا بد أن يكون في مجلس حاكم.

  قال بعضهم: لأنه مُخْتَلَفٌ فيه فاعتبر فيه الحاكم وهذا التعليل غير واضح؛ إذ يلزم صحة دعواه على الشاهد وعلى وارثه فيثبت حكمه بالبينة والحكم، وإن لم يقع الرجوع نفسه عند الحاكم. وظاهر كلام أصحابنا عدم صحة ذلك.

النوع الثالث: الدعوى

  وهي خبر مغلوب بطلب متضمنٍ إثباتَ حقٍّ على الغير على خلاف الأصل.

  فرع: فلكونها خبراً وجبت على المدعي تصحيح مخبَرِها بخبر صريح مؤكَّد صادر ممن يُظن صدقه وهو الشهادة على ما تقدم، ولم تسمع حيث تقدم ما يكذبها وحيث يعلم الحاكم كذبها.