الضرب الثاني: الأفعال
  النيَّة فإذا نوى المسافرُ الإقامةَ وهو في الصلاة صار مقيماً ووَجَبَ عليه الإتمام، بخلاف ما إذا نوى المقيمُ السفرَ لم يثبت حكم السفر حتى يشرع بخروج الميل على الأصح؛ إذ هو أدنى الضَّربِ في الأرضِ الذي رَتَّبَ عليه الشارعُ الترخيصَ بقوله تعالى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ ...} الآية [النساء: ١٠١]، وكذا لو نوى أن ماله للتَّجارة أو شَاتَهُ للتضحية أو للمسجد فلا حكم له.
  فرع: فلو نوى الصيام(١) القاعدُ خارجَ الميل أو المصلي فيه السفرَ لم يكن له الترخص بالإفطار والقصرِ حتى يُفارقَ المجلسَ عملاً بالقاعدة السابقة.
  مسألة: وتختص العبادة ببطلانها حيثُ صَاحَبَها وَجْهُ قبحٍ يصيرها حينئذ معصيةً كالصلاة في الدار المغصوبة، وفي كل مكان للغير فيه حقُّ المنع كالمتحجر وموقف المصلي ونحوه في المسجد أو المباح المحض، فيستحقُّ مصلي الفرض في ذلك عقابين على ترك الواجب وعلى فعل المعصية، ومن ذلك التطهر من الحدثين بماءٍ أو ترابٍ مغصوبٍ، وذَبْح الأضحية والهدي بسكين(٢) مغصوب على الأصح؛ إذ هو كالصلاة في ثوب مغصوب.
  ومن ذلك لو أَحْرَمَ للفريضة ثم خرج منها بتكبيرة إحرام لأخرى إذ تلك التكبيرة معصية فلا تجزي للأخرى، وكذا كلُّ طاعة كان عاصياً بها كصلاة المطالب بالدَّين أو الوديعة أو إزالة منكرٍ، وكتنفل المملوك أو الزوجة صلاة أو صياماً بغير إِذْنِ سيده وزوجِها.
  فرع: فأما التلاوة والأذان في المكان المغصوب فمنفصلٌ عن المعصية، وأما التوضؤ في مكان مغصوبٍ فمحتملٌ والأصح أنه كذلك؛ لأن العبادة هي إزالة الحدث واستعمالُ الأرضِ لازمٌ له منفصلٌ عنه.
  وكذا جمع التقديم على الأصح؛ إذ لا معصية في شيء من أجزاء الصلاة كما
(١) في (أ): «الصائم».
(٢) قال في الصحاح: السكين معروف، يذكر ويؤنث والغالب عليه التذكير.