معيار أغوار الأفهام في الكشف عن مناسبات الأحكام،

عبد الله بن محمد النجري (المتوفى: 877 هـ)

[القسم الأول: حقوق الله تعالى]

صفحة 73 - الجزء 1

البحث الثاني: في قسمة العبادات

  وهي نوعان: بدنيَّةٌ وماليَّةٌ:

النوع الأول: البدنية

  ووجه شرعيتها: كون المصالح المقصودة منها متعلقةً بِشَغْلِ الجسم بها، وامتحان البدن⁣(⁣١) بمشاقها.

  فرع: فلذلك لم تصح الاستنابة في شيء منها؛ لئلا يفوت المقصود بشرعيتها فليس لأحد أن يستنيب غيرَه في تلاوةٍ أو ذكرٍ أو صلاةٍ أو حجٍّ ولو نفلاً على الأصح.

  فإن قيل: قد صح التحجيج عن الميت والعاجز بالإجماع.

  قلنا: ليس من الاستنابة في شيء، إنما هو استخلاف فالحاجُّ كأنه الأصل، فيكون أصلاً في أعماله بدليل أن منها ركعتي الطواف ولا استنابة في الصلاة اتفاقاً؛ ولذلك وجبت النيَّة على الحاجِّ، ولزمه جَبْرُ المناسك من ماله، ولم يصح إلا عند تعذر الأصل، واشترط كمال الأهلية في الخليفة عكس النيابة المجردة في هذه الأحكام الأربعة.

  فرع: وإنما ثَبَتَ الاستخلافُ في الحجِّ استحساناً بالسُّنة والإجماع، وقيس عليه الاعتكاف بجامع كون كلٍّ منهما لُبْثاً في مكانٍ مخصوصٍ؛ فيكون أصلاً في الصوم كما قلنا في الحجِّ.

  فرع: وقد ثبت الاستخلاف في إمام الصلاة لغيره وإنما هو في الإمامة فقط؛ لما فيها من حقِّ الآدميِّ، فصار في الصلاة كأنه الأول؛ فلزمه ما كان قد لزمه من سجود سهوٍ وقعودٍ وإن لم يكن بموضع قعود له على ما سيأتي تحقيقه في صلاة الجماعة إن شاء الله تعالى، وتجويز بعضهم له في الصوم لا وَجْهَ له.

  فرع: ولما ضعفت شائبة العبادة في الوضوء؛ إذ هو غير مقصود في نفسه بل إنما هو وُصْلَة كإزالة النجاسة صحت النيابة فيه المحضة، ولكون النيابة فيه لا


(١) في (ج): القلب.