[القسم الأول: حقوق الله تعالى]
فصل: في النَّذر بالصوم وغيره من العبادات
  لما شرع الله الأحكام وعرَّفنا مَحَالَّها من الأفعال كان القياس أن ليس للعبد تغييرها، لكن ورد الشرع بصحة النذر فيصير به غير الواجب واجباً، فاشترط لصحته وجوب جنسه وجوباً أصليّاً عن(١) جنس ذلك المكلف؛ لئلا يزيد إيجاب العبد على إيجاب الله.
  فرع: فخرج ما وجوبه على وجه الخَلَفية لا وجوبٌ أصليٌّ كالتيمم والصلاة من قعود أو بالإيماء أو في متنجس وكل صلاة بدلية، أو صوم كذلك كالصوم عن كفارة اليمين أو القتل أو الظهار، وكإخراج قيمة ما تعلقت الزكاة بعينه ونحوها، وكالتضحية بالمعيب وغير ذلك مما ليس وجوبه أصليّاً، فلا يصح النذر بشيء من ذلك.
  فرع: وعلم أن ما كان وجوبه مبنيّاً على سبب فإنه لا يصح النذر بفعله إلا عقيب سببه وذلك كصلاة الجمعة والعيد وكالأذان والإقامة والوضوء وغسل الجمعة والعيد.
  وإنما يستقيم في صلاة الجمعة والعيد فيمن كانت رخصةً في حقِّه؛ فيتحتم بالنذر، وفي الوضوء إن أراد به فعل ما شرع له الوضوء، ولا يصح النذر به مجرداً.
  فرع: فإن نذر أن يفعل شيئاً من ذوات الأسباب مع عدم سببها لم يصح إلا ما كان جنسه مشروعاً مع غير ذلك السبب، بشرط أن يقصد مثل تلك العبادة لا نفسها كمثل ركعتي الجمعة والاستسقاء وغسل الجمعة حيث كان قُرْبَةً، وكذا السُّنَنُ الرواتب لا لو أراد نفس هذه العبادات، وكذا لو لم يشرع إلا بعد أسبابها فلا يصح النذر كالأذان والإقامة في غير الوقت، وصلاة الكسوف والجنازة والعيد في غير أسبابها، والغسل في وقتٍ لا قُرْبةَ فيه.
  فرع: فمن نذر بصلاة التسبيح لم تلزم؛ لاشتمالها على التسبيح الذي لم يجب
(١) في (ج): على.