معيار أغوار الأفهام في الكشف عن مناسبات الأحكام،

عبد الله بن محمد النجري (المتوفى: 877 هـ)

[القسم الأول: حقوق الله تعالى]

صفحة 154 - الجزء 1

  فرع: وإنما صار الهدي لازماً بمجرد سوقه بنيته؛ لأنه من مناسك الحج، بل من شعائره المذكورة، وقد تقدم لزومه بالشروع، بخلاف ما لو اشترى المحرم عبداً ليعتِقَه، أو طعاماً ليتصدق به، أو غيرُ المحرم شاة ليتصدق بلحمها، فإن ذلك لا يصير لازماً، خلافاً لبعضهم، ولا وجه له؛ لوجود الفرق المذكور، وليس ذلك كمن بنى مسجداً بنيته، أو فَرَشَ فيه، أو قطع شجراً مباحاً بنية كونه له؛ لأنه نوى التنجيز فكان الفعل كالإنشاء باللفظ، كما تقدم أول الكتاب.

فصل: [في الأضحية]

  والأُضحيَّة كالهدي المتطوَّع به في وجه شرعيتها وفي تعلق القربة بما عُيِّن منها، وفي وقتها، لكنها عمَّت الحاجَّ وغيره، إظهاراً لكرامة الله، وتعميماً لشرف ذلك اليوم، ولأن في شرعيتها وجهاً آخر، وهو كونها فداء من المضحِّي اقتداءً بإبراهيم #.

  فرع: فلعدم تمحضها من شعائر الحج لم تؤثر النية في لزومها، إلا إذا قارنت سبب ملكها بالاختيار، وإنما لزمت في هذه الصورة بخلاف ما اشتري بنية التصدق؛ لما فيها من شائبة أعمال الحج، ولانحطاط الأضحية في سُنَّة⁣(⁣١) أعمال الحج عن الهدي تميز عنها بأمرين: مصيرُه هدياً بمجرد السوق مع النية كما مر، وعدمُ جواز بيعه لإبداله إلا عند خشية تلفه، بخلاف الأضحية في الأمرين.

  فرع: ولتعلق القربة بهدي التطوع والأضحية إذا مضى وقتهما وجب نحرهما، وأن يفعل فيهما ما كان يفعله في وقتهما، وإن مات صاحبُهما وَجَبَ على الوارث ذلك أيضاً على الأصح؛ إذ الموت لا يُسقط القربة المتعلقة بهما.

  وقيل: لما انتقل الملك إلى الوارث بطل ما تعلق به من القربة كما إذا أعتق عبده على شرط ثم مات، والفرق ظاهر، وقد نجز الكلام في حقوق الله التي هي عبادات.


(١) في (ب، ج): «شبه».