[القسم الأول: حقوق الله تعالى]
  فرع: فلكون الأول آكدَ من الثاني قُدِّم عليه عند التعارض، وكان الأول واجباً من غير إمام، بخلاف الثاني على الأصح، وقد أجازه جماعة من أصحابنا وغيرهم من غير إمام أيضاً، بناء على أنه في التحقيق نهيٌ عن منكر كالأول، فلا يختص بالإمام.
  فرع: وقد علم من كون الجهاد بقسميه ديانة غير مقصودة في نفسها أنها لو اجتمعت الكلمة على الحق سقط وجوبُ الجهاد؛ ولذلك علم أنه فرض كفاية، وأنه حين لا يحصل المقصود إلا بالجميع يكون فرضَ عينٍ على كلٍّ منهم، ولكونه ديانة أيضاً لو أدَّاه فاعله بغير نية، أو نوى أمراً مباحاً كجرْحِ قلوب المبطلين أو الغنيمة، كان مسقطاً لفرض الجهاد، إلا أنه لا يحصل له ثواب؛ إذ ليس بمطيعٍ ولو نوى معصية كالرياء استحق عقابها لا عقاب الإخلال بالجهاد.
  فرع: ولما كان المقصود هو حصولَ القسمين بالجهاد ابتلاءً لبعضنا ببعض وليعلم اللهُ المجاهدين والصابرين، كما نبه عليه القرآن، لم تصح فيه الاستنابة؛ لفوات الابتلاء المقصود من شرعيته.
  فرع: وقد علم أن سببَ وجوبِه هو القسمان المذكوران، بشرط التمكن في الأول، والتمكن والإمام في الثاني على الأصح.
  وأنه لا عذر في تركه إلا عدمُ السبب أو الشرط، وأنه ليس إلى الإمام إسقاطه بل الفتوى فيما هو عذرٌ كما نبه عليه القرآن(١)، وأنه حيث أسقطه تأليفاً فإنما يسقط في الظاهر فقط، بخلاف تأليف الغني بالزكاة، فإنه يملكها باطناً وظاهراً حيث فعل ما أعطى لأجله كما تقدم.
فصل: [في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر]
  الأمرُ بالمعروف والنهي عن المنكر نوعٌ من الجهاد، فهما واجبان غير مقصودين في أنفسهما، ولهما سببٌ: وهو متعلقهما الذي هو المعروف والمنكر،
(١) بقوله تعالى: {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ}[التوبة: ٤٣].