[القسم الثاني: حقوق المخلوقين]
  القسم الثاني: حقوق المخلوقين(١)
  ولنتكلم في وجه شرعيتها ومن إليه استيفاؤها وإسقاطها، ثم في ثبوتها في حق الكافر ومن يذكر معه، ثم في قسمتها، فتلك ثلاثة أبحاث:
[البحث الأول: في شرعيتها ومن إليه استيفاؤها وإسقاطها]
  أما الأول: فإنها شرعت لحاجات العباد، ووجهه أن الإنسان مدنيٌّ بالطبع، ومعناه: أن الله تعالى ركَّبه على وجه يفتقر في بقاء صحته وسلامة هيكله من الجوائح إلى أبناء نوعه، يتعاونون في أمر المعاش، وكذلك أمر المعاد(٢)، فيقوم كل منهم بما لا يقوم به الآخر، من أمور المطعَم والملبَس والمسكَن وغيرها، مع توقفها على مقدمات(٣) وأعمال لا تنحصر، ويستغرق تحصيلها العُمُر، فمسَّت الحاجة إلى استعانة بعضهم ببعض، وأخذ بعضهم من بعض، على وجه يحصل به سلامة دِيْنهم، فجعل الشارع لذلك أسباباً وطرقاً مختلفة الصفات والأحكام، كتمليك العين أو المنفعة تبرعاً أو بعقد معاوضة، أو بلفظ غير عقد، أو بغير لفظ ولا عقد، إلى غير ذلك.
  فرع: وإنما شَرَعَ ذلك رأفةً بعباده وتوسعة لهم؛ ولذلك شَرَعَ ما يؤدي إليه من التوادد والتعاون وأنواع البِرِّ، وجعل لهذه أسباباً كالقرابة والإسلام على ما سيأتي تفصيلها إن شاء الله تعالى.
  فرع: ولكونها حقوقاً للعباد كان استيفاؤها إلى أربابها، فلا يصح دعوى شيء منها من غيرهم إلا بطريق النيابة، كما سيأتي إن شاء الله تعالى، ولذلك بعينه كان لهم إسقاطها إلا ما كان فيه حق لله تعالى كالفراش والنسب وردِّ السلام ونحوها، وإنما كان لهم إسقاطها لأن المصلحة متعلقة بشرعيتها لا بفعلها، بخلاف حقوق الله تعالى، فإنها متعلقة بفعلها؛ فلذلك لم يصح من العباد إسقاطها كما مر.
(١) في (ج): الآدميين.
(٢) قال في هامش (ب): في الأم المعباد فينظر، وفي (ج): المعباد.
(٣) في (ب): «مقامات».