معيار أغوار الأفهام في الكشف عن مناسبات الأحكام،

عبد الله بن محمد النجري (المتوفى: 877 هـ)

[القسم الثاني: حقوق المخلوقين]

صفحة 234 - الجزء 1

  بأنه لا يجزيه حملناه على قصد المعنى الثاني، فيكون إسقاطاً للضمان، وإن كان جاهلاً فعلى المعنى الأول فلا يسقط الضمان، فهذه جملة من الأحكام الشاملة للعقود، ولكل نوع منها أحكام تختص به، وإنما ينكشف الأمر بذكرها باباً باباً، ذاكرين في كل باب منها ما يناسب المقام ذكره.

باب البيع

  هو عقد معاوضة مال بمال، شرع علة لتملك العين بالبدل.

  فرع: فلم يصح في غير مال، ولا فيما لا قيمة له ولو لكثيره قيمة عند البعض؛ إذ لا يُعَدُّ مالاً، ولا في الحقوق المحضة؛ إذ لا تقابل بالمال بدليل أنها لا تضمن بالإتلاف.

  فرع: وإنما شرع البيع توسعة من الله على عباده، ولما في انتقال الملك من مالك إلى مالك من قضاء الحاجات والبلوغ إلى المقاصد، فالعقد علة في الملك، والملك علة في صحة التصرف، الذي هو المقصود الأصلي.

  فرع: فعلم أن المبيع هو المهم الأصلي، والثمن بدل فقط، فاشترط تعين المبيع ليمكن قبضه والتصرف فيه عقيب العقد؛ إذ هو المقصود بشرعيته، كما ذكرنا، فلا يصح بيع المعدوم حقيقة وحكماً كالملاقيح وما سيملكه، أو حكماً فقط كالحمل والزبد في الحليب والدهن في السمسم، واللبن في الضرع، وصوف الحيوان، وجزؤه المعين، وماء الفحل، والثمار قبل صلاحها، والبذر في الأرض، والطير في الهواء.

  والمجهول كشاة من غنمه، وصبرة مجهولة مع استثناء صاع منها، وكذا ما يمنع الشرع من تملكه كالميتة والخمر أو مِنْ أَخْذِ العوض عليه كزبل ما لا يؤكل والوقف والأضحية والهدي ونحوها، فهذه كلها معدومة حكماً؛ لعدم التمكن من قبضها، والتصرف فيها عقيب العقد، وقد أجاز جماعة بيع الطير في الهواء كبيع الآبق والضالة، والذي في يد متغلِّب، وقد فرق بأن الطير في حرزه، بخلاف غيره.