معيار أغوار الأفهام في الكشف عن مناسبات الأحكام،

عبد الله بن محمد النجري (المتوفى: 877 هـ)

[القسم الثاني: حقوق المخلوقين]

صفحة 253 - الجزء 1

  فرع: فيجوز عندهم بيع الحديد ونحوه من غير المطعوم بجنسه متفاضلاً ونسأً، ولا يجوز بيع رمانة برمانتين، ولا حِفْنة حبٍّ بحفنتين، ونحن نعكس ذلك، وذلك ظاهر، ونُقِضَت هذه المناسبة بأن الأمر فيها بالعكس، فإن المناسب لما غلبت عليه⁣(⁣١) الحاجة، وقامت به الحياة أن تُوَسَّع طرق اكتسابه، ويُيَسَّرَ الوصول إليه عملاً بما يناسب كرمَ الشارع ورفقَه بعباده، وبما اعتيد منه في جعل الهواء والماء والطعام والملبس والمسكن تابعةً في السعة والضيق للحاجة إليها قلَّةً وكثرةً ولذلك جاز بيع الموزونات بالنقود بنسأ⁣(⁣٢) مع حصول علة الربا عندنا؛ لرفع الحرج، ولما يريده الله من اليسر لعباده.

  واعلم أن المناسبة على المذهب الأول في تعليل ربا النسأ وإن تمت في بيع الجنس بجنسه فليست تامةً في بيعه بغير جنسه، فإنه قد جاز فيه التفاضل الحقيقي، فكيف تمتنع شُبْهةُ التفاضل؟ فيكون النص الوارد فيه غير معقول المعنى ككثير من النصوص، أو يقال: الحكمة متعلقة بطرد العلة كما في نظائرها كاعتداد الصغيرة واستبراء البالغة⁣(⁣٣) ونحوهما.

فصل: [في صور من الربا يتوصل إليها بما ظاهره الحل]

  فقد علم أن الربا المحرم شرعاً المخصَّص من عموم حلِّ البيع كما أشار إليه الشارع⁣(⁣٤)، هو بيع الدرهم بدرهمين والصاع بصاعين نسأ⁣(⁣٥) وهو مجمع عليه، وكذلك الإقراض.

  فإن تُوصِّل إلى ذلك بما ظاهره الحل ففي ذلك أربع مسائل:

  المسألة الأولى: أن تفرد الزيادة التي في مقابلة الأجل بطريق آخر من نذر أو


(١) في (ب، ج): «إليه».

(٢) في (ج): نسأً.

(٣) في (أ، ب): البائعة.

(٤) بقوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا}⁣[البقرة: ٢٧٥].

(٥) في (ب): «نصًّا».