معيار أغوار الأفهام في الكشف عن مناسبات الأحكام،

عبد الله بن محمد النجري (المتوفى: 877 هـ)

[القسم الثاني: حقوق المخلوقين]

صفحة 256 - الجزء 1

  على هذه، وهو أولى من قياسها على الثانية؛ لخروجها عن القياس كما مر، على أنه يمكن الاحتجاج على الثالثة والرابعة للمخالف بأنهما بيع وقع عن تراض، والأصل فيه الصحة، كما نبه عليه الشارع⁣(⁣١).

  وأيضاً فإن في ذلك اعتباراً للألفاظ وإلغاء للضمائر المقترنة بها كما علمنا اعتبار ذلك من الشارع في النذر والهبة والعتق والنكاح والطلاق وغيرها، ومن ثم كانت مسألة العِيْنَة خارجة عن قياس الأصول، وقولُ من قال: إن البيع المقترن بالصحة صادر⁣(⁣٢) لا عن تراض غيرُ ظاهر؛ إذ المراد بالآية خروج المكرَه فقط.

  فإن قيل: اختيار البائع في المسألة الثالثة والمشتري في الرابعة متغيِّر بسبب ما حمله على الدخول في العقد من الحاجة.

  قلنا: ذلك باعث له وبمثله لا يصير مكرهاً وإلا لزم مثله في كل بيع وشراء؛ إذ لا بد من حاملٍ له كحاجة المشتري إلى المبيع والبائع إلى الثمن.

  والفرق بين الباعث والمكرِه: أن الأول أمر متعلق لا⁣(⁣٣) يوجبه العقد، والثاني أمر متعلق بالعقد فقط؛ إذ الإكراه إنما هو [على⁣(⁣٤)] العقد فقط وهو معارِض للباعث، فمتى غَلَبَه صار مغيِّراً للاختيار، فيكون البيع لا عن تراضٍ فلا حكم له على ما مر.

فصل في الصرف

  هو بيع بين رِبَويَّين مخصوصين، وهما الحَجَران، فإن كان بين الجنس وجنسه حرم التفاضل والنساء، وإن كان بين الجنسين حرم النساء فقط؛ لتلك العلة المتقدمة.

  فرع: ولما كان نوعاً من البيع الشامل له ولغيره صح وقوعه بلفظ البيع، من غير عكس، كما هو حكم النوع مع الجنس.


(١) بنحو قوله تعالى: {إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ}⁣[النساء: ٢٩].

(٢) في (ب، ج): «صار».

(٣) في (ب، ج): «بما يوجبه».

(٤) ساقط من (أ).