معيار أغوار الأفهام في الكشف عن مناسبات الأحكام،

عبد الله بن محمد النجري (المتوفى: 877 هـ)

[القسم الثاني: حقوق المخلوقين]

صفحة 276 - الجزء 1

فصل: [في العمرى والرقبى]

  والعمرى والرقبى المؤبَّدان هبة، فيشترط فيهما شرائطهما لانصرافهما إلى الرقبة، وكذا المطلقتان؛ إذ الأصل عدم التقييد، لا المقيدتان؛ إذ يعلم بالقيد أن المراد المنفعة، فيكونان عارية، ولو كان القيد مما يعلم تأخره عن بقاء العين المعمرة، نحو: أعمرتك هذه الشاة إلى أن تطلع الشمس من المغرب قاصداً بذلك التوقيت لا التأبيد، وكذا مدة بقائها، وأما السكنى فمنصرفة إلى المنفعة فقط ولو مؤبدة؛ لكونها صريحة فيها.

  فرع: وإذا كانت العمرى والرقبى عارية، وهي إباحة المنافع، فإن فيها إباحة للفوائد الأصلية إلا الولد الذي له فوائد، فتنصرف الإباحة إلى فوائده.

  وإنما صحت إباحة الأعيان المعدومة هنا؛ لوجود سببها كما سيأتي إن شاء الله تعالى.

فصل: [في الصدقة]

  والصدقة كالهبة إلا أنها شرعت للفوز بالمنافع الأخروية، وهي الثواب، لا الدنيوية وهي الأموال.

  فرع: فلذلك لا يصح فيها رجوع؛ لحصول العوض الذي شرعت له، وبَعُدَت عن شبه عقود المعاوضة؛ لعدم صحة دخول المال في عوضها، فأغنى القبض فيها عن القبول، فلو ردَّها المتصدَّق عليه ثم قبضها، أو قبضها في غير مجلس الإيجاب، أو فيه بعد الإعراض، لم تصح، ولو قبضها أجنبي في المجلس ثم أجاز بعد ذلك، صح كما تقدم الإشارة إليه.

  فرع: وإذا كان المتصدَّق عليه غائباً وقَبِلَ له فضولي وقبض له آخر، فأيُّهما أجاز صح، لكن حيث أجاز القبض ثبت له التصرف في الحال، لا إن أجاز القبول، على الخلاف الماضي في الهبة.

  فإن كان القابل والقابض واحداً فالحكم للمتقدم منهما؛ لأنه الذي حصل به