[القسم الثاني: حقوق المخلوقين]
باب النكاح
  هو عقد معاوضة غير مال بمال، شُرع في الأصل للتناسل الذي به بقاء العالَم مع ما فيه من التحصُّن عن محارم الله، والحجر عن ارتكاب معاصيه.
  فرع: فهو حق لله تعالى وفيه حق للزوجين، ولذلك تعلق بكلٍ منهما حقوقٌ للآخر، وحق الزوج أغلب، ولذلك استحق البضع الذي هو المقصود بالعقد، ونُسِبَ إليه الولد، ووجب عليه العوض، وجُعلت الزوجة من جنسه تكميلاً للمقصود من سكون النفس، وشرع أن يكون هو الطالب.
  وإنما شرعت حقوقهما تابعة لحق الله تعالى؛ لأن في إثباتها تكميلاً له، وصيانة له عن البطلان، فصار هو المقصود الأصلي، كما نبه على ذلك كله الشارع(١).
  فرع: ولكون الزوجة من جنسه بطل ما ذكره بعض المالكية أنه يصح نكاح الإنسي بِجِنِّية من دون عكس؛ لئلا تفجر المرأة فتجد عذراً، ولكونه أساس الوصلة، ومبدأ حدوث الرحامة، وهو سبب كمال المودة والرحمة، كما أشار إليه الشارع(٢) - لم يصح بين مختلفي الملة؛ لانقطاع الوصلة بينهما.
  ولما كان أصل شرعيته للتناسل لم يَجُزْ نكاح الزانية؛ إذ لا تُحَصِّنُ، وانعقد النكاح لعروض المانع.
  فرع: ولكونه حقاً لله تعالى في الأصل قال بعضهم: بوجوبه، والأكثر بندبه، فلذلك كثرت فيه ترغيبات الشارع، ويُبَالغ فيه الأنبياء والصالحون في كل شريعة، وكُرِه الطلاق كما أشار إليه الشارع(٣)، ولم يُشرع فيه من الزهد مثل ما
(١) لعله يريد بذلك نحو قوله تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا ...} الآية [البقرة: ٢٢٩]، ونحوها.
(٢) بقوله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً}[الروم: ٢١].
(٣) عن ابن عمر عن النبي ÷ قال: «أبغض الحلال إلى الله الطلاق» أخرجه أبو داود (٢١٧٨)، وابن ماجه (٢٠١٨).