معيار أغوار الأفهام في الكشف عن مناسبات الأحكام،

عبد الله بن محمد النجري (المتوفى: 877 هـ)

[القسم الثاني: حقوق المخلوقين]

صفحة 342 - الجزء 1

  فرع: وإذا سلَّم المكاتب بعض مال الكتابة، ثبت له عند أصحابنا حكم الحرِّ بقدر ما قد سلَّم، كما أشار إليه الشارع⁣(⁣١)، فيتبعض من أحكامه ما يقبل التبعيض، ككونه وارثاً وموروثاً، وموصياً وموصىً له، ومحدوداً ومحدوداً له، وكالأرش.

  وإنما تبعضت مع كون الرق كاملاً غير قابل للتجزؤ كما مر؛ لأن أهليته لجميع الأحكام ثابتة، وإنما منع منها عروض الرق، كما تقدم، فإذا قبض السيد بعض العِوَض فقد وُجِدَ شبهة زوال الرق عن البعض؛ لئلا يجتمع البدلان في ملك واحد، فيتبعض بحسبه من الأحكام ما يقبل التبعيض.

  وتحقيقه: أن شبهة زوال المانع مع وجود المقتضي قد يكفي في وجود الحكم، ولذلك صححوا الوقف والوصية والنذر على الكافر المعيَّن مع وجود المانع، وهو الكفر؛ لشبهة زواله مع التعيين.

فصل: في العتق بالمُثْلَة

  لما وصانا الله بحسن ملكة⁣(⁣٢) الأرقاء لضعفهم، وكونهم إخواننا ومن جنسنا كما أشار إليه الشارع⁣(⁣٣)، وإنما طرأ عليهم الرق، كما تقدم تحقيقه، جعل عتق المملوك مشروعاً في مقابلة تأديبه بغير المعتاد زجراً للسيد، وشفقةً على المملوك، وجبراً لما ناله، وتكفيراً للذنب، كما أشار إليه الشارع⁣(⁣٤).


(١) أخرج الترمذي (١٢٥٩) عن ابن عباس عن النبي ÷ قال: «المكاتب يعتق بقدر ما أدى ويقام عليه الحد بقدر ما عتق منه ويورث بقدر ما عتق منه»، وأورده ابن حزم في المحلى (٣٥/ ٩) واللفظ له، وأخرجه النسائي (٤٨١١).

(٢) في (ب): «ملك».

(٣) أخرج أبو داود (٥١٥٨) عن النبي ÷ يقول: «إخوانكم جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل وليكسه مما يلبس، ولا يكلفه ما يغلبه، فإن كلفه ما يغلبه فليعنه»، وأخرجه البخاري (٦٠٥٠)، ومسلم (١٦٦١).

(٤) أخرج مسلم (١٦٥٧) عن النبي ÷ يقول: «من لطم مملوكه أو ضربه فكفارته أن يعتقه»، وأخرجه أبو داود عن ابن عمر (٥١٦٨).