معيار أغوار الأفهام في الكشف عن مناسبات الأحكام،

عبد الله بن محمد النجري (المتوفى: 877 هـ)

[المقدمة]

صفحة 37 - الجزء 1

  وابتدأته بمقدمة في مطلق التكليف وقِسْمته، وما يتصل به من الفروع والأحكام، ثم أخذت في تقاسيم التكاليف وذكر أحكام كل قسم منها إلى آخر الكتاب، وربنا المسؤول أن يجعله لمؤلِّفه ذخراً ليوم المعاد، ولقارئه سبيلاً موصلاً إلى الرشاد.

[المقدمة]

  أما المقدمة: فالتكليف: هو كون الفعل والترك مطلوباً لله تعالى من العبد، وهو قسمان:

  عقلي: وهو ما يدرك حكمه بمجرد العقل.

  وشرعي: وهو ما لا يدرك حكمه إلا بالشرع.

  والعقلي: هو الأصل في الشرعي، وقد ينفرد عنه من دون عكس، وفيه الأحكام الخمسة⁣(⁣١) وثبوتها بوجوه يقع عليها الفعل، وتلك الوجوه مؤثرة في وجود الحكم في الخارج فهي علل إنِيَّة⁣(⁣٢)، وفي وجودها في الذهن فهي علل لمِيّة⁣(⁣٣)، والتأثير اعتباري؛ إذ لا وجود لتلك الأحكام في الخارج، وهل التأثير يتوقف على أهلية الفاعل أم لا؟ فيه لأهل علم الكلام قولان.

  فرع: وتظهر فائدة الخلاف فيما صدر من غير المكلف، أَيُوْصَفُ بتلك الأحكام أم لا؟ ويتفرع عليه أنه هل يقبح منا إرادة ما هو في صورة القبيح من غير المكلف إذ هي إرادة قبيح ويحسن كراهته أم لا؟ وعلى القولين معاً فلا يكرهه الله تعالى؛ إذ لا يكره إلا ما نهى عنه لغرض الزجر.

  مسألة: وإنما حَسُنَ من الله تكليفنا بالعقلية لأنه تعريض إلى درجات لا تنال إلا به، ومن ثَمَّ وجب عليه التمكين واللَّطف، ثم إن علم أنه ليس في مقدورات


(١) والأحكام الخمسة: هي الوجوب والحظر والكراهة والندب والإباحة.

(٢) أي: قطعية، سميت بذلك لتأكيدها بـ «إنَّ».

(٣) أي: ظنية، سميت بذلك لما كانت يسأل عنها بـ «لِمَ».