الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل،

محمود بن عمر الزمخشري (المتوفى: 538 هـ)

سورة يونس

صفحة 333 - الجزء 2

  كَأَنْ ثَدْيَاهُ حُقّانِ

  {كَذلِكَ} مثل ذلك التزيين {زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ} زين الشيطان بوسوسته أو الله بخذلانه وتخليته {ما كانُوا يَعْمَلُونَ} من الإعراض عن الذكر واتباع الشهوات.

  {وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ وَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ ١٣ ثُمَّ جَعَلْناكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ ١٤}

  {لَمَّا} ظرف لأهلكنا: والواو في {وَجاءَتْهُمْ} للحال، أى ظلموا بالتكذيب وقد جاءتهم رسلهم بالحجج والشواهد على صدقهم وهي المعجزات. وقوله: {وَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا} يجوز أن يكون عطفاً على ظلموا، وأن يكون اعتراضاً واللام لتأكيد النفي، يعنى: وما كانوا يؤمنون حقاً، تأكيداً لنفى إيمانهم، وأن الله قد علم منهم أنهم يصرون على كفرهم، وأن الإيمان مستبعد منهم. والمعنى: أن السبب في إهلاكهم تكذيب الرسل، وعلم الله أنه لا فائدة في إمهالهم بعد أن ألزموا الحجة ببعثه الرسل {كَذلِكَ} مثل ذلك الجزاء يعنى الإهلاك {نَجْزِي} كل مجرم، وهو وعيد لأهل مكة على إجرامهم بتكذيب رسول الله ÷. وقرئ. يجزى، بالياء {ثُمَّ جَعَلْناكُمْ} الخطاب للذين بعث إليهم محمد ÷، أى استخلفناكم في الأرض بعد القرون التي أهلكنا {لِنَنْظُرَ} أتعملون خيراً أم شراً فنعاملكم على حسب عملكم. و {كَيْفَ} في محل النصب بتعملون لا ينتظر، لأنّ معنى الاستفهام فيه يحجب أن يتقدّم عليه عامله. فإن قلت: كيف جاز النظر على الله تعالى وفيه معنى المقابلة