الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل،

محمود بن عمر الزمخشري (المتوفى: 538 هـ)

سورة هود #

صفحة 379 - الجزء 2

  ويريدون ليستخفوا من الله، فلا يطلع رسوله والمؤمنين على ازورارهم. ونظير إضمار يريدون - لقود المعنى إلى إضماره - الإضمار في قوله تعالى {اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ} معناه فضرب فانفلق. ومعنى {أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيابَهُمْ} ويزيدون الاستخفاء حين يستغشون ثيابهم أيضاً، كراهة لاستماع كلام الله تعالى، كقول نوح # {جَعَلُوا أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيابَهُمْ} ثم قال {يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ} يعنى. أنه لا تفاوت في علمه بين إسرارهم وإعلانهم، فلا وجه لتوصلهم إلى ما يريدون من الاستخفاء، والله مطلع على ثنيهم صدورهم واستغشائهم ثيابهم، ونفاقهم غير نافق عنده. روى أنها نزلت في الأخنس بن شريق وكان يظهر لرسول الله ÷ المحبة وله منطق حلو وحسن سياق للحديث، فكان يعجب رسول الله ÷ مجالسته ومحادثته، وهو يضمر خلاف ما يظهر. وقيل: نزلت في المنافقين. وقرئ: تثنونى صدورهم، واثنونى «افعوعل» من الثني، كاحلولى من الحلاوة، وهو بناء مبالغة، قرئ بالتاء والياء. وعن ابن عباس لتثنونى. وقرئ تثنونّ وأصله تثنونن «تفعوعل» من الثن وهو ما هش وضعف من الكلأ، يريد: مطاوعة صدورهم للثنى، كما ينثني الهش من النبات. أو أراد ضعف إيمانهم ومرض قلوبهم. وقرئ: تثنئن، من اثنأن «أفعال» منه، ثم همز كما قيل: ابيأضت، وأدهأمت وقرئ: تثنوى، بوزن ترعوى.

  {وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللهِ رِزْقُها وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّها وَمُسْتَوْدَعَها كُلٌّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ ٦}

  فإن قلت: كيف قال {عَلَى اللهِ رِزْقُها} بلفظ الوجوب وإنما هو تفضل؟ قلت: هو تفضل إلا أنه لما ضمن أن يتفضل به عليهم، رجع التفضل واجباً كنذور العباد. والمستقرّ: مكانه من الأرض ومسكنه. والمستودع حيث كان مودعا قبل الاستقرار، من صلب، أو رحم،