الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل،

محمود بن عمر الزمخشري (المتوفى: 538 هـ)

سورة إبراهيم

صفحة 546 - الجزء 2

  عَسَى الْكَرْبُ الَّذِى أَمْسَيْتَ فِيهِ ... يَكُونُ وَرَاءَهُ فَرَجٌ قَرِيبُ

  وهذا وصف حاله وهو في الدنيا، لأنه مرصد لجهنم، فكأنها بين يديه وهو على شفيرها أو وصف حاله في الآخرة حين يبعث ويوقف. فان قلت: علام عطف {وَيُسْقى}؟ قلت: على محذوف تقديره: من ورائه جهنم يلقى فيها ما يلقى ويسقى من ماء صديد، كأنه أشد عذابها فخصص بالذكر مع قوله {وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَما هُوَ بِمَيِّتٍ}. فإن قلت: ما وجه قوله تعالى {مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ}؟ قلت: صديد عطف بيان لماء، قال {وَيُسْقى مِنْ ماءٍ} فأبهمه إبهاما ثم بينه بقوله {صَدِيدٍ} وهو ما يسيل من جلود أهل النار {يَتَجَرَّعُهُ} يتكلف جرعه {وَلا يَكادُ يُسِيغُهُ} دخل كاد للمبالغة. يعنى: ولا يقارب أن يسيغه، فكيف تكون الإساغة، كقوله {لَمْ يَكَدْ يَراها} أى لم يقرب من رؤيتها فكيف يراها {وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ} كأنّ أسباب الموت وأصنافه كلها قد تألبت عليه وأحاطت به من جميع الجهات، تفظيعا لما يصيبه من الآلام. وقيل {مِنْ كُلِّ مَكان} من جسده حتى من إبهام رجله. وقيل: من أصل كل شعرة {وَمِنْ وَرائِهِ} ومن بين يديه {عَذابٌ غَلِيظٌ} أى في كل وقت يستقبله يتلقى عذابا أشدّ مما قبله وأغلظ. وعن الفضيل: هو قطع الأنفاس وحبسها في الأجساد. ويحتمل أن يكون أهل مكة قد استفتحوا أى استمطروا - والفتح المطر - في سنى القحط التي أرسالات عليهم بدعوة رسول الله ÷ فلم يسقوا، فذكر سبحانه ذلك، وأنه خيب رجاء كل جبار عنيد وأنه يسقى في جهنم بدل سقياه ماء آخر، وهو صديد أهل النار. {وَاسْتَفْتَحُوا} - على هذا التفسير -: