الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل،

محمود بن عمر الزمخشري (المتوفى: 538 هـ)

سورة إبراهيم

صفحة 549 - الجزء 2

  فإن قلت: فما معنى قوله {لَوْ هَدانَا اللهُ لَهَدَيْناكُمْ}؟ قلت الذي قال لهم الضعفاء كان توبيخا لهم وعتابا على استتباعهم واستغوائهم. وقولهم {فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا} من باب التبكيت، لأنهم قد علموا أنهم لا يقدرون على الإغناء عنهم، فأجابوهم معتذرين عما كان منهم إليهم: بأن الله لو هداهم إلى الإيمان لهدوهم ولم يضلوهم، إما موركين الذنب في ضلالهم وإضلالهم على الله، كما حكى الله عنهم وقالوا {لَوْ شاءَ اللهُ ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا}، {لَوْ شاءَ اللهُ ما عَبَدْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ} يقولون ذلك في الآخرة كما كانوا يقولونه في الدنيا. ويدل عليه قوله حكاية عن المنافقين {يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَما يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلى شَيْءٍ}. وإما أن يكون المعنى: لو كنا من أهل اللطف فلطف بنا ربنا واهتدينا لهديناكم إلى الإيمان. وقيل: معناه لو هدانا الله طريق النجاة من العذاب لهديناكم، أى: لأغنينا عنكم وسلكنا بكم طريق النجاة كما سلكنا بكم طريق الهلكة {سَواءٌ عَلَيْنا أَجَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا} مستويان علينا الجزع والصبر. والهمزة وأم للتسوية. ونحوه: {فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا سَواءٌ عَلَيْكُمْ} وروى أنهم يقولون: تعالوا نجزع، فيجزعون خمسمائة عام فلا ينفعهم، فيقولون: تعالوا نصبر، فيصبرون كذلك ثم يقولون: سواء علينا. فإن قلت: كيف اتصل قوله سواء علينا بما قبله؟ قلت: اتصاله به من حيث أنّ عتابهم لهم كان جزعا مما هم فيه، فقالوا: سواء علينا أجزعنا أم صبرنا، يريدون أنفسهم وإياهم، لاجتماعهم في عقاب الضلالة التي كانوا مجتمعين فيها، يقولون: ما هذا الجزع والتوبيخ، ولا فائدة في الجزع كما لا فائدة في الصبر والأمر من ذلك أطمّ. أو لما قالوا لو هدانا الله طريق النجاة لأغنينا عنكم وأنجيناكم، أتبعوه الإقناط من النجاة فقالوا {ما لَنا مِنْ مَحِيصٍ} أى منجى ومهرب، جزعنا أم صبرنا. ويجوز أن يكون من كلام الضعفاء والمستكبرين جميعاً، كأنه قيل: قالوا جميعا سواء علينا، كقوله {ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ