سورة إبراهيم
  تفسير لقوله {ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً} كقولك: شرّف الأمير زيداً: كساه حلة، وحمله على فرس. ويجوز أن ينتصب {مَثَلاً} و {كَلِمَةً} بضرب، أى: ضرب كلمة طيبة مثلا، بمعنى: جعلها مثلا ثم قال {كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ} على أنها خبر مبتدأ محذوف، بمعنى هي كشجرة طيبة {أَصْلُها ثابِتٌ} يعنى في الأرض ضارب بعروقه فيها {وَفَرْعُها} وأعلاها ورأسها {فِي السَّماءِ} ويجوز أن يريد: وفروعها، على الاكتفاء بلفظ الجنس. وقرأ أنس بن مالك: كشجرة طيبة ثابت أصلها فإن قلت: أىّ فرق بين القراءتين؟ قلت: قراءة الجماعة أقوى معنى، لأنّ في قراءة أنس أجريت الصفة على الشجرة، وإذا قلت: مررت برجل أبوه قائم، فهو أقوى معنى من قولك: مررت برجل قائم أبوه، لأنّ المخبر عنه إنما هو الأب لا رجل. والكلمة الطيبة: كلمة التوحيد. وقيل: كل كلمة حسنة كالتسبيحة والتحميدة والاستغفار والتوبة والدعوة. وعن ابن عباس: شهادة أن لا إله إلا الله. وأما الشجرة فكل شجرة مثمرة طيبة النمار، كالنخلة وشجرة التين والعنب والرمّان وغير ذلك. وعن ابن عمر أنّ رسول الله ÷ قال ذات يوم: «إن الله ضرب مثل المؤمن شجرة فأخبرونى ما هي» فوقع الناس في شجر البوادي، وكنت صبيا، فوقع في قلبي أنها النخلة، فهبت رسول الله ÷ أن أقولها وأنا أصغر القوم. وروى: فمنعني مكان عمرو استحييت، فقال لي عمر: يا بنىّ لو كنت قلتها لكانت أحبّ إلىّ من حمر النعم، ثم قال رسول الله ÷ «ألا إنها النخلة» وعن ابن عباس ®: شجرة في الجنة وقوله {فِي السَّماءِ} معناه في جهة العلوّ والصعود، ولم يرد المظلة، كقولك في الجبل: طويل في السماء تريد ارتفاعه وشموخه {تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ} تعطى ثمرها كل وقت وقته الله لإثمارها {بِإِذْنِ رَبِّها} بتيسير خالقها وتكوينه {لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} لأن في ضرب الأمثال زيادة إفهام وتذكير وتصوير للمعاني.
  {وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ ما لَها مِنْ قَرارٍ ٢٦}
  {كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ} كمثل شجرة خبيثة، أى: صفتها كصفتها. وقرئ: ومثل كلمة بالنصب، عطفا على كلمة طيبة. والكلمة الخبيثة: كلمة الشرك. وقيل: كل كلمة قبيحة. وأمّا الشجرة الخبيثة فكل شجرة لا يطيب ثمرها كشجرة الحنظل والكشوث ونحو ذلك. وقوله {اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ} في مقابلة قوله {أَصْلُها ثابِتٌ} ومعنى {اجْتُثَّتْ} استؤصلت. وحقيقة الاجتثاث